فالقرآن الكريم ـ مثلا ـ ليس نذيرا واحدا ، وإنما في كل آية منه نذير ، ولكل نذير ذاتيته ، وشخصيته ، حتى لكأن كل آية رسول ينشر بين الناس رسالته .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا) .. فهذا التصريف والتنويع في معارض القول ، ووجوه النذر ، هو بمثابة أعداد كثيرة من الرسل ، تجىء إلى الناس من كل جهة ، وتلقاهم على كل طريق ، ومع هذا فإن كثيرا من الناس لم يستجيبوا لتلك الآيات التي يلقاهم من كل آية منها رسول كريم ونذير مبين ..
وإذن ، فإن كثرة الرسل ، فى الناس ، واختصاص كل رسول بقرية من القرى ، أو جماعة من الجماعات لا يغنى كثيرا في مجال الهداية إلى الإيمان بالله ، وإقامة الناس على طريق الحق ، والخير ..
ولو كان ذلك مغنيا في هذا المقام لكان في القرآن الكريم ، وفي النذر المديدة التي تحملها آياته وكلماته ، ما يزع هؤلاء الضالين الغاوين عن ضلالهم وغوايتهم .. والله سبحانه وتعالى يقول : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ* وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) (٩٥ ـ ٩٦ : يونس) ويقول سبحانه : (قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) (١٠١ : يونس) ..
قوله تعالى :
(فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً).
هو التفات كريم إلى النبيّ ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وتوجيه له إلى الوجهة التي ينبغى أن يأخذها من موقف هؤلاء الكافرين المشركين من قومه