الآيات بعد هذا حديثا إلى المسلمين الذين كانوا قلة مستضعفة في مكة ، يلقاهم المشركون بالضر والأذى ، ويأخذون عليهم كل سبيل إلى الاجتماع بالرسول ، أو الصلاة في المسجد الحرام ، أو الجهر بتلاوة القرآن ... إلى غير ذلك مما كانت تضيق به صدور المسلمين ، وتختنق به مشاعر الإيمان في كيانهم ، وتختفى به مظاهره على ألسنتهم وجوارحهم ـ جاءت هذه الآيات لتفتح للمسلمين طريقا رحبا إلى النجاة من هذا الضيق ، والخلاص من هذا البلاء ..
إن أرض الله واسعة ، وإذا ضاقت أرض بإنسان فإن من الخير له أن يتحول عنها إلى غيرها ، حيث يجد في الأرض مراغما كثيرة وسعة ..
ـ وفي قوله تعالى : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) وفي إضافة الذين آمنوا إلى الله سبحانه وتعالى ، وندائهم إليه من ذاته جل وعلا ـ فى هذا احتفاء بهم ، واستضافة لهم في رحاب رحمة الله وفضله وإحسانه .. وذلك لأنهم مدعوون إلى الهجرة من ديارهم ، والانفصال عن أهلهم وإخوانهم ، وذلك أمر شاق على النفس ، ثقيل الوطأة على المشاعر ، التي ارتبطت بالموطن ارتباط العضو بالجسد .. فكان من لطف الله سبحانه بعباده هؤلاء المؤمنين ، الذين دعاهم إلى الهجرة من ديارهم ـ أن استضافهم في رحابه ، وأنزلهم منازل رحمته وإحسانه ، بهذا الدعاء الرحيم ، الذي دعاهم به سبحانه ، إليه ... «يا عبادى» .. فمن استجاب منهم لهذا النداء ، وأقبل على الله مهاجرا إليه بدينه ، تلقّاه الله سبحانه بالفضل والإحسان ، وأنزله منزلا خيرا من منزله ، وبدّله أهلا خيرا من أهله!.
وقد استجاب المسلمون لهذا النداء ، فخرجوا مهاجرين إلى الله ، أفرادا وجماعات ، وكانت الحبشة أول متجه اتجه إليه المسلمون المهاجرون ، فأنزلهم