يجادلون في حق يعرفونه ، ويمارون في آيات يعلمون صدقها .. ومن كان هذا شأنه فخير موقف يتخذ معه ، هو الإعراض عنه ، وترك الجدل معه ، لأن الجدل في هذا المقام ، عقبم ، وإن ولد شيئا ، فإنما يلد دخانا ينعقد في سماء الحق ، ويشغل القائمين على رسالته عما هو أنفع وأجدى ... ولهذا كان من دعوة السماء إلى النبي الكريم قوله تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) (١٩٩ : الأعراف).
ـ فقوله تعالى : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ـ هو بيان للموقف الذي يأخذه المؤمنون من أهل الكتاب فيما يكون بينهم من مواقف ، تثار فيها بينهم قضايا ، تتصل بالدين ، عقيدة أو شريعة ...
وهو أن يعرض المسلمون حقائق الإسلام كما حملتها آيات الله ، بمنطق الناصح المرشد ، لا المملى ولا المسيطر ... (فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها) .. إنه خير يدعى إليه الناس ، ولا يحملون عليه حملا ...
ومتى كان المحسن يأخذ المحتاج إلى إحسانه ، بالقهر والقسر؟ وحسبه أن يمد إليه يده بما تحمل من إحسان ، فإن تجاوز ذلك إلى ما يثير عداوة وبغضاء ، انقلب الإحسان إساءة ، والخير شرا ...
والجدل ، والمجادلة تكون باللسان ، ومقارعة الحجة بالحجة ، والأصل فيها القوة ، يقال حبل مجدول ، إذا كان مفتولا من حبلين ، ولهذا سمى الصقر أجدل ، لقوته وشدته ...
ـ وقوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) ـ هذا استثناء من الحكم العام ، فى الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، وذلك الاستثناء في شأن الذين يلقون تلك الدعوة بالشغب عليها ، والتطاول على أهلها ، والكيد لها ولهم ...