إن الأمر حينئذ يخرج عن هذا المجال ، إلى رد عدوان ، ودفع ظلم ، وردع بغى ... والله سبحانه وتعالى يقول :
(ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ* وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) (١٢٥ ـ ١٢٦ : النحل).
والذين ظلموا من أهل الكتاب ، هم أولئك الذين امتلأت قلوبهم ضغينة على الإسلام ، وحقدا عليه ، فكانوا حربا على المسلمين والإسلام ، بالكيد والفتنة ، وإشعال نار الحرب الظاهرة والخفية على رسول الله وعلى المؤمنين ... ولهذا كان وصفهم بالظلم ، كاشفا عن عدوانهم وبغيهم ، إنهم معتدون لا معتدى عليهم ، وظالمون غير مظلومين ، فإذا أخذوا بعدوانهم ، وبظلمهم ، فذلك بما جنته أيديهم : (فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) (١٩٣ : البقرة).
أما الأسلوب الذي تجرى عليه معاملة هؤلاء الظالمين ، فهو على حسب ما كان منهم من ظلم ، بلا بغى أو عدوان ..
وفي الآية الكريمة ـ وهى مكية ـ إشارة إلى مستقبل الإسلام ، وإلى ما سيكون بينه وبين أهل الكتاب من تلاحم ، بالقول ، وبالفعل ... بالجدل بالتي هى أحسن أولا ، فإن كان عدوان فبالعدوان : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) (٤١ : الشورى).
ـ قوله تعالى : (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) ـ هو بيان لمقولة المسلمين ، في مقام الجدل بالتي هى أحسن مع أهل الكتاب ، وفي مواجهة غير الظالمين المعتدين منهم.