لا يستجيبون لهذا النذير المبين ، الذي يدعوهم إلى الإيمان الخالص من الشرك بالله ، وينذرهم عاقبة هذا الضلال الذي هم فيه ، وهم يأبون إلا التكذيب به ، والبهت له ، والسفاهة والتطاول عليه .. فيقولون فيما يقولون عن هذا النذير : ساحر أو مجنون ..
وإن حالهم تلك شبيهة بحال أهل الضلال والشرك من قبلهم ، الذين لم يأتهم رسول من رسل الله يدعوهم إلى الإيمان بالله ، إلّا تلقوه بهذه المقولة الآثمة : «ساحر أو مجنون» .. وقد قالها من قبل فرعون ، إذ جاءه موسى بآيات من الله وسلطان مبين : «فتولى بركنه وقال : ساحر أو مجنون» ..
وفى هذا عزاء للنبى ، ووعيد المشركين بأن يلقوا المصير الذي لقيه المكذبون برسل الله من قبلهم.
قوله تعالى :
(أَتَواصَوْا بِهِ؟ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) ..
هو استفهام إنكارى يكشف عن هذه الطبيعة المنكرة المندسّة فى أهل الضلال .. ولكأنّ هذا الضلال داء خبيث معد ، يرثه الأبناء عن الآباء ، جيلا بعد جيل .. أو لكأنه عند أهله عمل مبرور ، يتواصون به فيما بينهم ، ويتركونه ميراثا لأبنائهم من بعدهم ..
وقوله تعالى : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) ـ إضراب على هذا الاستفهام ، فإنه لم تكن هناك دعوة قائمة بالتواصى بين هؤلاء الضالين ، السابقين منهم واللاحقين ، ولكنها النفوس النكدة ، والطباع اللئيمة ، تفرز من ذاتها هذا الضلال الذي يغرقها ، ويغرق من يأخذ طريقه معها ..