بدايات المسائل الكلامية في القرنين الأوّلين
قد عرفت أنّ القرآن والسنّة ، وأحاديث العترة الطاهرة هي المنطلق الحقيقي لنشوء علم الكلام وأنّ المسلمين بطوائفهم المختلفة كانوا يصدرون عنها ، نعم كان للّقاء الحضاري والاحتكاك الثقافي دور في تكامل علم الكلام وكثرة مسائله ، فالكتاب والسنّة كانا مرجعين للاهتداء إلى موقف الإسلام فيها ، واللّقاء الحضاري كان سببا لطرح المسائل في الأوساط ، وانتقال الأذهان إليها ، وعلى كل حال أصبح الأمران سببا لنشوء علم الكلام ونضوجه بين المسلمين على نزعاتهم المختلفة.
إنّ كتّاب الملل والنحل يصرّون على أنّ الاختلاف في الإمامة كان أوّل اختلاف ديني وأعظم خلاف بين الأمّة.
يقول الإمام أبو الحسن الأشعري : أوّل ما حدث من الاختلاف بين المسلمين بعد وفاة نبيّهم اختلافهم في الإمامة (١).
ويقول الشهرستاني : إنّ الاختلاف في الإمامة أعظم خلاف بين الأمّة ، إذ ما سلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سلّ على الإمامة في كل زمان (٢).
يلاحظ عليه : أنّ الاختلاف في الإمامة بعد أيام الخلفاء وإن أصبح اختلافا كلاميا ، فذهبت الشيعة إلى أنّها تنصيصية والسنّة إلى غيرها ، لكن الاختلاف يوم ارتحل الرسول لم يكن اختلافا في قاعدة دينية ، وجدالا في مسألة كلامية بل كان جدالا سياسيا محضا ، لم يكن مبنيا على قاعدة دينية ، إذ كان علي عليهالسلام وأهل بيت النبي ولفيف من شيعة الإمام بعيدين عن السقيفة وما جرى فيها ، مشغولين
__________________
(١) مقالات الاسلاميين واختلاف المصلّين : ١ / ٣٤ ، نشرة محيي الدين عبد الحميد.
(٢) الملل والنحل : ١ / ٢٤.