بتجهيز النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأمّا الأنصار فكانوا يرون أنفسهم أولى بإدارة الأمور لأنّهم آووا النبي ونصروه ، وكان المهاجرون يرون أنفسهم أولى بها لأنّهم أصل النبي وعشيرته ، من دون أن يبحث أحد من الفئتين عن القاعدة الدينية في مجال الإمامة ، وأنّها هل هي التنصيص ، أو الشورى أو غيرهما ، وما هو الملاك فيها؟ بل كانت هذه الأمور مغفولا عنها يوم ذاك ، وكان الهدف هو تسنّم منصّة الخلافة وتداول كرتها بين أبنائهم وعشيرتهم ، حتى لو لم تكن حكومة الرسول حكومة دينية وكان الرسول قائدا بشريا مات عنها ، لقام المهاجرون والأنصار بنفس ذلك الجدال ، وكلّ سعى إلى جرّ النار إلى قرصه.
فما في أكثر الكتب الكلامية من تصوير الاختلاف في مسألة الإمامة ، اختلافا كلاميا ناشئ عن النظر إليها فيما بعد السقيفة ، وأمّا إذا نظرنا إليها من منظار المهاجرين والأنصار ، فالاختلاف بينهم لم يكن نزاعا كلاميا ودينيا بل سياسيا بحتا ، مبنيا على تناسي النص ، وتصوير الخلافة الإسلامية كخلافة موروثة من القائد لأمّته ، وإلّا فلو كان النزاع على أساس دينيّ ، لما كان للاختلاف مجال ، وكفتهم هتافات الرسول في بدء الدعوة ، ويوم ترك المدينة لغزوة تبوك ، ويوم الغدير وغيرها ، هذا وللبحث صلة تطلب من محلّه.
وإليك نماذج من بدايات المسائل الكلامية في القرنين الأوّلين :
١. مسألة التحكيم :
إنّ أوّل خلاف ظهر بين المسلمين ، وصيّرهم فرقتين ، هو مسألة التحكيم في وقعة صفين ، والمسألة يوم ذاك وإن اصطبغت بصبغة سياسية لكن كان لها أساس دينيّ ، وهو أنّ الخوارج خالفوا عليا وانعزلوا عن جنده بحجّة أنّ حكم الله في الباغي ، هو مواصلة الحرب والجهاد حتى يفيء إلى حكم الله لا التصالح وإيقاف الحرب ، وحجّتهم وإن كانت مردودة لأجل أنّ التحكيم إنّما فرض على