رسالة الحسن البصري إلى السبط الأكبر :
كان الحسن البصري خطيب القوم ومتكلّمهم ، وكان يشار إليه بالبنان خصوصا في أواخر القرن الأوّل ، وكان لمسألة الاستطاعة واختيار الإنسان دويّ ، ووقع كثير من أهل الحديث في ورطة الجبر زاعمين أنّ القول بالقضاء والقدر ، يسلب الحرية عن الإنسان ، ويجعله مكتوف الأيدي في الحياة ؛ هذا ، ومن جانب آخر ، تلك الفكرة تضادّ الفطرة الإنسانية وتجعل جهود الأنبياء والأولياء وعلماء التربية تذهب سدى.
فكتب الحسن البصري إلى السبط يسأله عن تلك المعضلة ، وإليك السؤال والجواب :
أمّا بعد : فانّكم معشر بني هاشم ، الفلك الجارية في اللّجج الغامرة ، والأعلام النّيرة الشاهرة ، أو كسفينة نوح عليهالسلام التي نزلها المؤمنون ، ونجا فيها المسلمون ، كتبت إليك يا ابن رسول الله عند اختلافنا في القدر وحيرتنا في الاستطاعة ، فأخبرنا بالذي عليه رأيك ورأي آبائك عليهمالسلام ، فإنّ من علم الله علمكم ، وأنتم شهداء على الناس والله الشاهد عليكم (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١).
فأجابه الحسن عليهالسلام : «بسم الله الرحمن الرحيم ، وصل إليّ كتابك ، ولو لا ما ذكرته من حيرتك وحيرة من مضى قبلك إذا ما أخبرتك ، أما بعد : فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشرّه وإنّ الله يعلمه فقد كفر ، ومن أحال المعاصي على الله فقد فجر ، إنّ الله لم يطع مكرها ، ولم يعص مغلوبا ، ولم يهمل العباد سدى من المملكة ، بل هو المالك لما ملّكهم والقادر على ما عليه أقدرهم ، بل أمرهم تخييرا ، ونهاهم تحذيرا ،
__________________
(١) آل عمران : ٣٤.