وكذا النفس الناطقة المرتسمة فيها الصور العقليّة والعلوم النفسانيّة لوح كتابي بأحد الاعتبارين ، وبهذا الاعتبار لها وجه إلى مصوّر عقليّ وقلم علويّ يصوّرها بتلك العلوم والصور ؛ وبالاعتبار الآخر جوهر متكلّم ناطق ، ولها وجه إلى قابل يقبل منها الصور ويسمع عنها الكلام.
وكذا وجود الموجودات كلّها الصادر بأمر «كن» ـ بلا لفظ ولا صوت ـ كلام الله وكتابه باعتبارين ، وكذلك القرآن الذي بين أظهرنا والكتب التي انزلت من قبل كلّها كلام الله وكتابه جميعا باعتبارين.
فكلّ منها بما هو كلام الله نور من أنواره المعنويّة نازل من لدنه ، ومنزله الأوّل قلب من يشاء من عباده المحبوبين ، كما قال : (وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) [٤٢ / ٥٢] ، وقال : (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) [١٧ / ١٠٥].
وبما هو كتاب نقوش وأرقام فيها آيات وأحكام نازلة من السماء نجوما على صحائف قلوب المحبّين وألواح نفوس السالكين وغيرهم ، يكتبونها في صحائفهم وألواحهم بحيث يقرؤها كلّ قار ، ويعمل بأحكامها كلّ عامل موفّق ، وبه يهتدون.
ويتساوى في هداها الأنبياء والامم ، كما قال : (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ [وَالْإِنْجِيلَ] * مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ) [٣ / ٣ ـ ٤]. وقال : (وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ) [٥ / ٤٣].
وكما أنّ الكلام يشتمل على الآيات ـ (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِ) [٢ / ٢٥٢] ـ فكذا الكتاب يشتمل عليها أيضا : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) [١٢ / ١].