يكتموا العلم على الناس طلبا لحظوظ الدنيا الفانية ، وفي هذه الآية رد الله تعالى على أهل الكتاب أيضا تبجحهم بالقبلة وادّعاء هم الايمان والكمال فيه لمجرد أنهم يصلون إلى قبلتهم بيت المقدس بالمغرب أو طلوع الشمس بالمشرق إذ الأولى قبلة اليهود والثانية قبلة النصارى فقال تعالى : ليس (١) البر كل البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ، وفي هذا تنبيه عظيم للمسلم الذي يقصر إسلامه على الصلاة ولا يبالي بعدها ما ترك من واجبات وما ارتكب من منهيات ، بين تعالى لهم البار الحق في دعوى الايمان والإسلام والاحسان فقال : (وَلكِنَّ الْبِرَّ) (٢) (٣) أي ذا البر أو البار بحق هو (مَنْ آمَنَ بِاللهِ) وذكر أركان الإيمان إلا السادس منها (القضاء والقدر) ، (وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ) وهما من أعظم أركان الاسلام ، وأنفق المال في سبيل الله مع حبه له وضنّه به ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل فهو ينفق ماله على من لا يرجو منه جزاء ولا مدحا ولا ثناء كالمساكين وأبناء السبيل والسائلين من ذوي الخصاصة والمسغبة ، وفي تحرير الأرقاء وفكاك الأسرى وأقام الصلاة أدامها وعلى الوجه الأكمل في أدائها وأتى الزكاة المستحقين لها ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة من أعظم قواعد الاسلام ، وذكر من صفاتهم الوفاء بالعهود والصبر في أصعب الظروف وأشد الأحوال ، فقال تعالى : (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ) وهذا هو مبدأ الإحسان وهو مراقبة الله تعالى والنظر إليه وهو يزاول عبادته ، ومن هنا قرر تعالى أن هؤلاء هم الصادقون في دعوى الايمان والاسلام وهم المتقون بحق غضب الله وأليم عذابه ، جعلنا الله منهم ، فقال تعالى مشيرا لهم بلام البعد وكاف الخطاب لبعد مكانتهم وارتفاع درجاتهم (أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).
هداية الآية الكريمة
من هداية الآية الكريمة :
١ ـ الاكتفاء ببعض أمور الدين دون القيام ببعض لا يعتبر صاحبه (٤) مؤمنا ولا ناجيا.
__________________
(١) قرأ حفص : (الْبِرَّ) بالنصب على أنه خبر ليس مقدما والاسم أن وما دخلت عليه والتقدير : تولية وجوهكم ، وقرأ غيره البر مرفوعا على أنّه الاسم والخبر : أن وما دخلت عليه.
(٢) وقيل هو على حذف مضاف أي : ولكن البرّ برّ من آمن على حد (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) أي أهل القرية ، وما أوّلناه به أقرب وأيسر.
(٣) هذه الآية : (لَيْسَ الْبِرَّ) الخ آية عظيمة تضمنت قواعد الشرع وأمهات الأحكام لم تتضمن آية غيرها ما تضمنته هي ، إذ تضمنت أركان الإيمان وقاعدتي الإسلام الصلاة والزكاة ، والجهاد والصبر ، والوفاء ، والتقوى والانفاق العام والخاص.
(٤) شاهده من القرآن في قوله تعالى : (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ..) الآية.