أعماله الصالحة كلها (١) تبطل ويصبح من أهل النار الخالدين فيها أبدا. هذا ما تضمنته الآية الأولى أما الآية الثانية (٢١٨) (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا) (٢) فقد نزلت في عبد الله بن جحش وأصحابه طمأنهم الله تعالى على أنهم غير آثمين لقتالهم في الشهر الحرام كما شنع عليهم الناس بذلك ، وانهم يرجون رحمة الله أى الجنة وأنه تعالى غفور لذنوبهم رحيم بهم ، وذلك لإيمانهم وهجرتهم وجهادهم في سبيل الله ، وقال تعالى فيهم : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ (٣) رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
هداية الآيتين
من هداية الآيتين :
١ ـ حرمة الشهر الحرام والبلد الحرام.
٢ ـ نسخ القتال في الشهر الحرام بدليل قتال الرسول صلىاللهعليهوسلم هوازن وثقيف في شوال وأول القعدة وهما في الأشهر الحرم.
٣ ـ الكشف عن نفسيّة الكافرين وهي عزمهم الدائم على قتال المسلمين إلى أن يردوهم عن الإسلام ويخرجوهم منه.
٤ ـ الردة (٤) محبطة للعمل فإن تاب المرتد (٥) يستأنف العمل من جديد ، وإن مات قبل التوبة فهو من أهل النار الخالدين فيها أبدا.
٥ ـ بيان فضل الإيمان والهجرة والجهاد في سبيل الله.
__________________
(١) على هذا مالك وأبو حنيفة خلافا للشافعي إذ يرى رحمهالله تعالى أن من ارتد ثم تاب يعود إليه كل عمل صالح عمله قبل الردة فلا يعيد الحج إذا حج ، والراجح ما قرّرناه في التفسير إذ أقل ما يقال عليه إعادة الحج طمعا في مغفرة ذنوبه وعدم مؤاخذته أمّا من مات كافرا فالاجماع على خلوده في النار ، ودليل الجمهور قوله تعالى (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) الآية وحمله الشافعي على أنه مطلق مقيّد بآية الموت على الكفر فما دام لم يمت كافرا فإن أعماله قبل الردّة لا تبطل والله أعلم.
(٢) نقل فعل هجر الشيء إذا تركه إلى هاجر ، وهي صيغة المفاعلة ، إمّا أنه للمبالغة في الترك كما قيل عافاك الله والمعافي واحد وهو الله تعالى ، وإمّا لأنه ترك شيئا عن عداوة ولا تكون إلّا بين اثنين فقيل هاجر ، والمكان المهاجر منه يقال له مهاجر.
(٣) الرجاء : ترقب الخير مع تغليب ظن حصوله.
(٤) اختلف في المرتد هل يستتاب أو يقتل بالردة فورا والجمهور على أنه يستتاب أولا فإن أصر قتل ومالك يرى أنّ من سبّ النبي صلىاللهعليهوسلم لا يستتاب ويقتل واستشهد بالمرأة التي قتلت خادمها لسبّ النبي صلىاللهعليهوسلم وأخبرت الرسول صلىاللهعليهوسلم فلم ينكر عليها وكذلك الزنديق يقتل ولا يستتاب.
(٥) الأصل في قتل المرتد حديث الصحيح : «من بدّل دينه فاقتلوه» واختلف في قتل المرأة إذا ارتدّت الجمهور أنها لا تقتل لنهي النبي صلىاللهعليهوسلم عن قتل النساء والأطفال في الحرب.