الظالم : المتجاوز لما حدّ الله تعالى ، والظلم وضع الشىء في غير موضعه.
معنى الآية الكريمة
ما زال السياق في بيان أحكام الطلاق فيقرر تعالى في هذه الآية أن الطلاق الذي يملك الزوج الرجعة فيه هو طلقتان أولى ، وثانية فقط ، ومن هنا فمن طلق الثانية فهو بين خيارين إما أن يمسك زوجته بمعروف ، أو يطلقها بإحسان فإن طلقها فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره هذا معنى قوله تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ) أي بحسن العشرة وهو أداء ما للزوج من حقوق ، أو تسريح أي تطليق بإحسان بأن يعطيها باقي صداقها إن كان ، ويمتعها بشىء من المال ولا يذكرها بسوء.
وقوله تعالى (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ (١) أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً) : حرم تعالى على الزوج أن يأخذ من مهر زوجته شيئا بدون رضاها ، إلا في حال واحدة وهي إذا كرهت المرأة الزوج ولم تطق البقاء معه وهو غير ظالم لها في هذه الحال يجوز أن تعطي الزوج مالا ويطلقها ويسمى هذا خلعا وهو (٢) حلال على الزوج غير الظالم ، وهذا معنى (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) وهي هنا المعاشرة الحسنة فلا جناح أى لا إثم فيما فدت (٣) به نفسها فلها أن تعطي المال للزوج وله أن يأخذه منها مقابل تركها وحل عصمة الزوجية بينهما.
وقوله تعالى : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ) (٤) يريد أحكام شرعه فلا يحل تجاوز الحلال إلى الحرام ، ولا تجاوز الإحسان إلى الإساءة ، ولا المعروف إلى المنكر ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه عرضها للعذاب ، وما ينبغي له ذلك.
__________________
(١) الخطاب هنا للأزواج وفي قوله (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) للحكام وولاة الأمور.
(٢) لا خلاف في أنّ المخالع منها بائنة لا يملك الزوج رجعتها في العدّة وهل يعتبر الخلع طلاقا أو فسخا. الراجح أنّه طلاق فتعتد المخالع منها عدة الطلاق ثلاثة قروء.
(٣) أما ما كان من الفدية مثل المهر أو أقل فلا خلاف فيه أي في جوازه ، وأما ما كان أكثر من المهر ففيه خلاف والراجح على أنه جائز ولكنه مناف لمكارم الأخلاق.
(٤) القصر في جملة (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) قصر حقيقي إذ كل ظالم متعد لحدود الله.