(لا تُؤاخِذْنا) : لا تعاقبنا.
(إِنْ نَسِينا) : فتركنا ما أمرتنا به أو فعلنا ما نهيتنا عنه نسيانا منا غير عمد.
(أَوْ أَخْطَأْنا) : فعلنا غير ما أمرتنا خطأ منا بدون إرادة فعل منا له ولا عزيمة.
(إِصْراً) (١) : تكليفا شاقا يثقل علينا ويأسرنا فيحبسنا عن العمل.
(مَوْلانا) : مالكنا وسيدنا ومتولي أمرنا لا مولى لنا سواك.
معنى الآيتين :
ورد أنه لما نزلت الآية (٢٨٤) (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ ..) وفيها (... وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ ..) اضطربت لها نفوس المؤمنين ، وقالوا من ينجو منا إذا كنا نؤاخذ بما يخفى في أنفسنا من الهم والوسواس وحديث النفس فأمرهم الرسول صلىاللهعليهوسلم بالرضا بحكم الله تعالى والتسليم به فقال لهم : قولوا سمعنا وأطعنا ولا تكونوا كاليهود : (قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا ...) فلما قالوها صادقين أنزل الله تعالى هاتين الآيتين : (آمَنَ الرَّسُولُ (٢) ...) فأخبر عن ايمانهم مقرونا بإيمان نبيهم تكريما لهم وتطمينا فقال : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ..) وأخبر عنهم بقولهم الذي كان سبب استجابة الله تعالى لهم فقال عنهم : (... وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) وأخبرهم تعالى أنه لرحمته بهم وحكمته في تصرفه في خلقه لا يكلف نفسا إلا ما تتسع له طاقتها وتقدر على فعله ، وإن لها ما كسبت من الخير فتجزى به خيرا وعليها ما اكتسبت من الشر فتجزى به شّرا إلا أن يعفو عنها ويغفر لها فقال : (لا يُكَلِّفُ (٣) اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ ..) وعلمهم كيف يدعونه ليقول لهم قد فعلت ، كما صح به الخبر فقال قولوا : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ، رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) وفعلا
__________________
(١) الإصر : الأمر الغليظ الصعب أو هو الذنب الذي ليس فيه توبة ولا كفّارة ويطلق الإصر على العهد ومنه : (وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي) أي عهدي وميثاقي ، لأنّ الإصر يطلق على الحبل الذي تربط الأحمال ونحوها.
(٢) روى مسلم عن ابن عباس لما نزلت : (إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ ...) الآية قال : «دخل قلوبهم منها شيء فقال النبي صلىاللهعليهوسلم «قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا» قال فألقى الله في قلوبهم الإيمان فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل قوله : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) الآية.
(٣) ورد في فضل خاتمة البقرة أحاديث كثيرة منها قوله صلىاللهعليهوسلم «أوتيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يؤتهنّ نبي قبلي».