غزير في ظلمات مصحوب برعد قاصف وبرق خاطف وهم في وسطه مذعورون خائفون يسدون آذانهم بأنامل أصابعهم حتى لا يسمعوا صوت الصواعق حذرا أن تنخلع قلوبهم فيموتوا ، ولم يجدوا مفرا ولا مهربا لأن الله تعالى محيط بهم هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن البرق لشدته وسرعته يكاد يخطف أبصارهم فيعمون ، فإذا أضاء لهم البرق الطريق مشوا فى ضوئه واذا انقطع ضوء البرق وقفوا حيارى خائفين ، ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم لأنه تعالى على كل شىء قدير هذه حال اولئك المنافقين والقرآن ينزل بذكر الكفر وهو ظلمات وبذكر الوعيد وهو كالصواعق والرعد وبالحجج والبينات وهى كالبرق في قوة الاضاءة ، وهم خائفون أن ينزل القرآن بكشفهم وازاحة الستار عنهم فيؤخذوا ، فإذا نزل بآية لا تشير إليهم ولا تتعرض بهم مشوا في إيمانهم الظاهر. وإذا نزل بآيات فيها التنديد بباطلهم وما هم عليه وقفوا حائرين لا يتقدمون ولا يتأخرون ولو شاء الله أخذ أسماعهم وأبصارهم لفعل لأنهم لذلك أهل وهو على كل شىء قدير. (١)
هداية الآيات :
من هداية هذه الآيات ما يلى :
١ ـ استحسان ضرب الأمثال لتقريب المعانى إلى الأذهان.
٢ ـ خيبة سعى أهل الباطل وسوء عاقبة أمرهم.
٣ ـ القرآن تحيا به القلوب كما تحيا الأرض بماء المطر.
٤ ـ شر الكفار المنافقون.
(يا أَيُّهَا (٢) النَّاسُ اعْبُدُوا (٣) رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ
__________________
(١) القدير والقادر والمقتدر بمعنى واحد إلّا أن القدير أبلغ لأنه من أمثلة المبالغة وقدرة الله تتعلق بالممكنات القابلة للوجود والعدم ، فلا يقولنّ قائل : هل يقدر الله على خلق ذات كذاته سبحانه وتعالى؟
(٢) يا : حرف نداء للبعيد وينادى بها القريب تعظيما له نحو يا الله يا رب وهو تعالى أقرب من حبل الوريد. أي : صلة للتوصل بها لنداء ما فيه أل نحو أيّها النّاس. ها : حرف تنبيه أقحمت بين (أي) والمنادى.
(٣) أصل العبادة : الخضوع والتذلل ، مشتق من قولهم طريق معبّد إذا كان موطوءا بالأقدام وهي في الشرع : طاعة الله ورسوله بالإيمان وفعل الأمر واجتناب النهي مع غاية الحب والتعظيم لهما والتذلل لله وحده.