حبلى وقالت ما قص الله تعالى عنها في قوله : (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ) (١) (لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) وحان وقت الولادة فولدت ولكن انثى لا ذكرا فتحسرت لذلك ، وقالت : (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) وكيف لا يعلم وهو الخلاق العليم. وقالت : (.. وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى ..) في باب الخدمة في بيت المقدس فلذا هي آسفة جدا ، وأسمت مولودتها مريم أي خادمة الله ، وسألت ربها أن يحفظها وذريتها من الشيطان الرجيم واستجاب الله تعالى لها فحفظها وحفظ (٢) ولدها عيسى عليهالسلام فلم يقربه شيطان قط. وتقبل (٣) الله تعالى ما نذرته له وهو مريم فأنبتها نباتا حسنا فكانت تنمو نماء عجيبا على خلاف المواليد ، وكفلها زكريا فتربت في بيت خالتها وذلك أن حنة لما وضعتها أرضعتها ولفّتها في قماطها وبعثت بها الى صلحاء بنى إسرائيل يسندونها إلى من يرون تربيتها في بيته ، لأن أمها نذرتها لله تعالى فلا يصح منها أن تبقيها في بيتها ووالدها مات أيضا ، فأحب كل واحد أن يكفلها فكفلها زكريا وأصبحت في بيت خالتها (٤) بتدبير الله تعالى لها ، ولما كبرت أدخلها المحراب لتتعبد فيه ، وكان يأتيها بطعامها ، فيجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء ، وفاكهة الشتاء في الصيف فيعجب لذلك ويسألها قائلا : (يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا؟) فتجيبه قائلة (هُوَ مِنْ عِنْدِ (٥) اللهِ) وتعلل لذلك فتقول : (إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ).
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ بيان إفضال الله تعالى وإنعامه على من يشاء.
٢ ـ بيان أن عيسى عليهالسلام ليس بابن الله ولا هو الله ، ولا ثالث ثلاثة بل هو عبد الله ورسوله أمه مريم ، وجدته حنّة ، وجدّه عمران من بيت شرف وصلاح في بني اسرائيل.
٣ ـ استجابة الله تعالى لدعاء أوليائه كما استجاب لحنّة ورزقها الولد وأعاذ بنتها وولدها من الشيطان الرجيم.
__________________
(١) جريا على سنتهم في نذر أولادهم الذكور لخدمة بيت المقدس.
(٢) أخرج مسلم عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «ما من مولود يولد إلّا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان إلّا ابن مريم وأمّه» ثم قال أبو هريرة اقرؤا إن شئتم (وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ).
(٣) أي رضيها منها وقبلها كالشيء يهدى للكريم فيقبله ويثيب عليه.
(٤) روي عن ابن عباس أن زكريا استأجر لها ظئرا فأرضعتها حولين كاملين.
(٥) تريد أنّه يحصل لها بغير طريقة الأسباب المعروفة وإنّما يوضع بين يديها كرامة لها والله هو الرازق لها سبحانه وتعالى.