معنى الآيات :
لما حذر الله تعالى المؤمنين من اتخاذ بطانة من أهل الكفر والنفاق ، وأخبرهم أنهم متى صبروا واتقوا لا يضرهم كيد أعدائهم شيئا ذكرهم بموقفين أحدهما لم يصبروا فيه ولم يتقوا فأصابتهم الهزيمة وهو غزوة أحد ، والثاني صبروا فيه واتقوا فانتصروا وهزموا عدوهم وهو غزوة بدر ، فقال تعالى : (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ) أي اذكر يا رسولنا لهم غدوّك صباحا من بيتك الى ساحة المعركة بأحد ، تبوّىء المؤمنين مقاعد للقتال أي تنزلهم الأماكن الصالحة للقتال الملائمة لخوض المعركة ، والله سميع لكل الأقوال التي دارت بينكم في شأن الخروج إلى العدو ، أو عدمه وقتاله داخل (١) المدينة عليم بنياتكم وأعمالكم ومن ذلك همّ بني سلمة وبني حارثة بالرجوع من الطريق لو لا أن الله سلم فعصمهما من الرجوع لأنه وليهما. هذا معنى قوله تعالى : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا) أي تجبنا وتحجما عن ملاقاة العدو ، والله وليهما فعصمهما من ذنب (٢) الرجوع وترك الرسول صلىاللهعليهوسلم يخوض المعركة بدون جناحيها وهما بنو حارثة وبنو سلمة (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) فتوكلت الطائفتان على الله وواصلتا سيرهما مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسلمهما الله من شر ذنب وأقبحه. والحمد لله.
هذا موقف والمقصود منه التذكير بعدم الصبر وترك التقوى فيه حيث أصاب المؤمنين فيه شر هزيمة واستشهد من الأنصار سبعون ومن المهاجرين أربعة وشج (٣) رأس النبي صلىاللهعليهوسلم وكسرت رباعيته واستشهد عمه حمزة (٤) رضي الله عنه.
والموقف الثاني هو غزوة بدر حيث صبر فيها المؤمنون واتقوا أسباب الهزيمة فنصرهم الله وأنجز لهم ما وعدهم لأنهم صبروا واتقوا ، فقتلوا سبعين رجلا وأسروا سبعين وغنموا غنائم طائلة قال تعالى : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ (٥) أَذِلَّةٌ) فاتقوا الله بالعمل بطاعته ، ومن ذلك
__________________
(١) خرج الرسول صلىاللهعليهوسلم بألف رجل من المدينة وفي أثناء مسيره رجع ابن أبيّ بثلثمائة رجع غاضبا إذ كان يرى عدم قتال العدو خارج المدينة فلم يطع في ذلك فغضب ، ورجوعه هو الذي سبّب الهمّ بالرجوع لبني حارثة وبني سلمة.
(٢) روى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال : فينا نزلت : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُما) قال : نحن الطائفتان بنو حارثة وبنو سلمة ، وما أحبّ أنها لم تنزل لقول الله عزوجل : (وَاللهُ وَلِيُّهُما).
(٣) الذي رمى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فشج وجههه هو ابن قميئة أقماه الله ولعنه ، والذي أدمى شفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكسر رباعيته هو عتبة بن أبي وقاص أخو سعد بن أبي وقاص.
(٤) وقتل حمزة وحشي ، كانت تحرّضه على قتل حمزة هند بنت عتبة وتقول له : إيها أبا دسمة اشف واستشف. (والدّسمة : غبرة في سواد).
(٥) كانت غزوة بدر في السابع عشر من رمضان يوم جمعة وكان جيش العدو بها ما بين التسعمائة إلى الألف ، وجيش المسلمين ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا ، وغزوة بدر أوّل غزوة غزاها رسول الله صلىاللهعليهوسلم.