معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في أحداث غزوة أحد ففي الآية الأولى : ينكر الله تعالى على المؤمنين قولهم بعد أن أصابتهم مصيبة القتل والجراحات والهزيمة : (أَنَّى (١) هذا) أي من أي وجه جاءت هذه المصيبة ونحن مسلمون ونقاتل في سبيل الله ومع رسوله؟ فقال تعالى : (أَوَلَمَّا (٢) أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ) بأحد قد أصبتم مثليها ببدر لأن ما قتل من المؤمنين بأحد كان سبعين ، وما قتل من المشركين ببدر كان سبعين قتيلا وسبعين أسيرا ، وأمر رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يجيبهم : قل هو من عند أنفسكم ، وذلك بمعصيتكم لرسول الله حيث خالف الرماة أمره ، وبعدم صبركم إذ فررتم من المعركة تاركين القتال. وقوله (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) إشعار بأن الله تعالى أصابهم بما أصابهم به عقوبة لهم حيث لم يطيعوا رسوله ولم يصبروا على قتال أعدائه. هذا ما تضمنته الآية الأولى (١٦٥) أما الآيات الثلاث بعدها فقوله تعالى : (وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ) يخبر تعالى المؤمنين أن ما أصابهم يوم أحد عند التقاء جمع المؤمنين وجمع المشركين في ساحة المعركة كان بقضاء الله وتدبيره ، وعلته إظهار المؤمنين على صورتهم الباطنية الحقة وانهم صادقون في إيمانهم ، ولذا قال تعالى وليعلم المؤمنين علم انكشاف وظهور كما هو معلوم له في الغيب وباطن الأمور هذا أولا وثانيا ليعلم الذين نافقوا فأظهروا الإيمان والولاء لله ولرسوله والمؤمنين ثم أبطنوا الكفر والعداء لله ورسوله والمؤمنين فقال عنهم في الآيتين الثالثة (١٦٧) والرابعة (١٦٨) (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا) وهم عبد الله بن ابى بن سلول رئيس المنافقين وعصابته الذين رجعوا من الطريق قبل الوصول إلى ساحة المعركة ، وقد قال لهم عبد الله بن حرام والد جابر تعالوا قاتلوا في سبيل الله رجاء ثواب الآخرة ، وان لم تريدوا ثواب الآخرة فادفعوا عن أنفسكم واهليكم معرة جيش غاز يريد قتلكم إذ وقوفكم معنا يكثر سوادنا ويدفع عنا خطر العدو الداهم فأجابوا قائلين : لو نعلم قتالا سيتم لاتبعانكم ، فأخبر تعالى عنهم بأنهم في هذه الحال (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ) إذ يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ) حتى من أنفسهم يعلم أنهم يكتمون عداوة الله ورسوله والمؤمنين وارادة السوء بالمؤمنين ، وأن قلوبهم
__________________
(١) أنّى هذا : جملة أسمية فأنّى بمعنى أين وهو الخبر مقدم ، وهذا مبتدأ مؤخر.
(٢) الاستفهام هنا للإنكار والتعجب لأنّ قولهم (أَنَّى هذا) مما ينكر ويتعجب منه وذلك أن سبب المصيبة غير خاف ولا غامض فهو ظاهر مكشوف ، وهو عصيانهم للقيادة بمخالفة أمرها ، ولما : اسم زمان مضمن معنى الشرط وقلتم : هو الجزاء.