الكفر ، وقال في الكفر ولم يقل الى الكفر إشارة إلى أنهم ما خرجوا منه لأن اسلامهم كان نفاقا فقط ، (إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) ، والله يريد أن لا يجعل لهم نصيبا من نعيم الآخرة فلذا تركهم في كفرهم كلما خرجوا منه عادوا إليه ، وحكم عليهم بالعذاب العظيم فقال : (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ). هذا ما تضمنته الآية الأولى (١٧٦). أما الآية الثانية (١٧٧) فقد تضمنت حكم الله تعالى على الذين يرتدون بعد إيمانهم فيبيعون الإيمان بالكفر ، ويشترون الضلالة بالهدى حكم عليهم بأنهم لن يضروا (١) الله شيئا من الضرر ، ولهم عذاب أليم فقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) (٢) (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) والعذاب الأليم هو عذاب النار إذ لا آلم ولا أشد إيجاعا منه.
وأما الآية الثالثة (١٧٨) فقد تضمنت بطلان حسبان الكافرين أن الله تعالى عند ما يمهلهم ويمدّ في أعمارهم ولم يعاجلهم بالعذاب أن ذلك خير لهم ، لا ، بل هو شر لهم ، إذ كلما تأخروا يوما اكتسبوا فيه إثما فبقدر ما تطول حياتهم يعظم ذنبهم وتكثر آثامهم ، وحينئذ يوبقون ويهلكون هلاكا لا نظير له قال تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَ) (٣) (الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ ، إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) أي ذو إهانة ، لأنهم كانوا ذوى كبر وعلو في الأرض وفساد ، فلذا ناسب أن يكون في عذابهم اهانات لهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ لا ينبغى للمؤمن أن يحزنه كفر كافر ولا فسق فاسق ، لأن ذلك لا يضر الله تعالى شيئا ، وسيجزى الله الكافر والفاسق بعدله.
٢ ـ لا ينبغى للعبد أن يغره إمهال الله له ، وعليه أن يبادر بالتوبة من كل ذنب إذ ليس هناك إهمال وإنما هو إمهال.
٣ ـ الموت للعبد (٤) خير من الحياة ، لأنه إذا كان صالحا فالآخرة خير له من الدنيا وإن كان غير
__________________
(١) (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) من الضرر لا في ذاته ولا في دينه ولا في ملكه وسلطانه ولا رسوله ، وفي الحديث القدسي الذي رواه مسلم : «يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضرونى ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني».
(٢) كرّر لفظ (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) لأجل التأكيد والتقرير حتى ييأس المنافقون والكافرون من إلحاق أي ضرر برسول الله صلىاللهعليهوسلم وبدعوته وشيئا : منصوب على المصدرية أي : لن يضروا الله ضررا قليلا ولا كثيرا.
(٣) فسر الإملاء بطول العمر ورغد العيش ، وهو كذلك مع إضافة عدم معاجلتهم بالعقوبة انظارا لهم لا إهمالا.
(٤) شاهده قول ابن مسعود رضي الله عنه ما من أحد برّ ولا فاجر إلّا والموت خير له لأنّه إن كان برّا فقد قال الله تعالى : (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ) وإن كان فاجرا فقد قال تعالى : (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) وروي مثله عن ابن عباس أخرجه رزين.