في إيمانه ، والكاذب فيه وهو المنافق. بل لا بد من الابتلاء بالتكاليف الشاقة منها كالجهاد والهجرة والصلاة والزكاة ، وغير الشاقة من سائر العبادات حتى يميز المؤمن الصادق وهو الطيب الروح ، من المؤمن الكاذب وهو المنافق الخبيث الروح ، قال تعالى (ما (١) كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) وذلك أن الله لم يكن من سنته في خلقه أن يطلعهم على الغيب فيميز المؤمن من المنافق ، والبار من الفاجر ، وانما يبتلى بالتكاليف ويظهر بها المؤمن من الكافر والصالح من الفاسد. إلا أنه تعالى قد يجتبي من رسله من يشاء فيطلعه على الغيب ، ويظهره على مواطن الأمور وبناء على (٢) هذا فآمنوا بالله ورسوله حق الإيمان ، فإنكم إن آمنتم صادق الإيمان واتقيتم معاصي الرحمان كان لكم بذلك أعظم الأجور وهو الجنة دار الحبور والسرور هذا ما دلت عليه الآية (١٧٩) أما الآية الثانية (١٨٠) فإن الله تعالى يخبر عن خطا البخلاء الذين يملكون المال ويبخلون به فيقول : ولا يحسبنّ أي ولا يظنن الذين يبخلون بما آتاهم الله من المال الذي تفضل الله به عليهم أن بخلهم به خير لأنفسهم كما يظنون بل هو أى البخل شرّ لهم ، وذلك لسببين الأول ما يلحقهم في الدنيا من معرة البخل وآثاره السئية على النفس ، والثانى أن الله تعالى سيعذبهم به بحيث يجعله طوقا من نار في أعناقهم ، أو بصورة ثعبان فيطوقهم (٣) ، ويقول لصاحبه : «أنا مالك أنا كنزك» كما جاء في الحديث. فعلى من يظن هذا الظن الباطل ان يعدل عنه ، ويعلم أن الخير في الإنفاق لا فى البخل. وأن ما يبخل به هو مال الله ، وسيرثه ، ولم يجن البخلاء إلا المعرة في الدنيا والعذاب في الآخرة. قال تعالى : (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) ، فاتقوه فيما آتاكم فآتوا زكاته وتطوعوا بالفضل فإن ذلك خير لكم. والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
__________________
(١) روي أن الآية نزلت إجابة لمن طالبوا بعلامة يفرقون بها بين المؤمن والمنافق ، فأجابهم الله تعالى بأنه ليس من شأنه أن يترك المؤمنين على ما هم عليه في اختلاطهم مع المنافقين حتى ينزل من الشرائع والتكاليف ما يميز بفعله وتركه المؤمن من المنافق.
(٢) إذ العبرة ليست بمعرفة الغيب وإنما العبرة بالنجاة من النار والفوز بالجنة وعليه فأعرضوا عن المطالبة بمعرفة الغيب وأقبلوا على ما يحقق لكم نجاتكم وسعادتكم.
(٣) روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من أتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة يأخذ بلهزمتيه ـ يعني شدقيه ـ ثم يقول : أنا مالك ، أنا كنزك ثم تلا هذه الآية : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ...) الآية