معنى الآية الكريمة :
ينادى الرب تبارك وتعالى عباده بلفظ عام يشمل مؤمنهم وكافرهم : يا أيها الناس ويأمرهم بتقواه عزوجل وهى اتقاء عذابه في الدنيا والآخرة بالإسلام التام إليه ظاهرا وباطنا. واصفا نفسه تعالى بأنه ربهم الذي خلقهم من نفس واحدة وهى آدم الذي خلقه من طين ، وخلق من تلك النفس زوجها و (١) هي حواء ، وأنه تعالى بث منهما أى نشر منهما في الأرض رجالا كثيرا ونساء كذلك ثم كرر الأمر بالتقوى إذ هى ملاك الأمر فلا كمال ولا سعادة بدون الالتزام بها قائلا واتقوا الله (٢) الذى تساءلون به والأرحام (٣) ، أي اتقوا الله ربكم الذي آمنت به قلوبكم فكنتم إذا أراد أحدكم من أخيه شيئا قال له أسألك بالله إلا اعطيتنى كذا .. واتقوا الأرحام (٤) ان تقطعوها فإن في قطعها فسادا كبيرا وخللا عظيما يصيب حياتكم فيفسدها عليكم ، وتوعدهم تعالى ان لم يمتثلوا أمره بتقواه ولم يصلوا أرحامهم بقوله إن الله كان عليكم رقيبا مراعيا لأعمالكم محصيا لها حافظا يجزيكم بها ألا أيها الناس فاتقوه.
هداية الآية الكريمة
من هداية الآية الكريمة :
١ ـ فضل هذه الآية إذ كان النبي صلىاللهعليهوسلم إذا خطب في حاجة تلا آية آل عمران (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). وتلا هذه الآية ، ثم آية الأحزاب (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ، وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً) ثم يقول أما بعد ويذكر حاجته.
٢ ـ أهمية الأمر بتقوى الله تعالى اذ كررت في آية واحدة مرتين في أولها وفي آخرها.
٣ ـ وجوب صلة الأرحام وحرمة قطعها.
٤ ـ مراعاة الأخوة البشرية بين الناس واعتبارها في المعاملات.
__________________
(١) الفصيح هو لفظ زوج ولذا لم يرد في القرآن بالتاء قط ، وتساهل فيه الفقهاء لأجل التفرقة بين الرجل والمرأة ولهذا يقولون :
للزوج كذا وللزوجة كذا.
(٢) الاتيان باسم الجلالة هنا (وَاتَّقُوا اللهَ) بدل اتقوا ربكم من أجل تربيه المهابة في نفس السامعين لأنّ المقام مقام تشريع فلا بد من إعداد النفوس لقبوله والنهوض به.
(٣) الأرحام : معطوف على اسم الجلالة منصوب أي اتقوا الله أن تعصوه والأرحام أن تقطعوها ، وقرىء الأرحام بالجر عطفا على الضمير في به وهو قبيح إذ لا يعطف على الضمير المجرور إلّا إذا أعيد حرف الجرّ إلا ما كان من ضرورة الشعر كقول القائل :
فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا |
|
فاذهب فما بك والأيام من عجب |
وعظم القبح لأنّ في ذلك حلف بالرحم والحلف بغير الله حرام.
(٤) الأرحام : اسم لكل الأقارب من غير فرق بين المحرم وغيره ، وصلة الرحم واجبة إجماعا وفي الحديث : «صلي أمك» أمر لأسماء وأمها كانت يومئذ كافرة وقال صلىاللهعليهوسلم : «من ملك ذا رحم محرم فقد عتق عليه».