(بُهْتاناً وَإِثْماً) : أى كذبا وافتراء ، واثما حراما لا شك في حرمته لأنه ظلم.
(أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ) : اى خلص الزوج الى عورة زوجته والزوجة كذلك.
(مِيثاقاً غَلِيظاً) : هو العقد وقول الزوج : إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
معنى الآيات :
تضمنت هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا (١) النِّساءَ كَرْهاً) ابطال ما كان شائعا بين الناس قبل الاسلام من الظلم اللاحق بالنساء فقد كان الرجل إذا مات والده على زوجته ورثها أكبر اولاده من غيرها فان شاء زوجها وأخذ مهرها وان شاء استبقاها حتى تعطيه ما يطلب منها من مال فأنزل الله تعالى قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) ، فبطل ذلك الحكم الجاهلى بهذه الآية الكريمة وأصبحت المرأة إذا مات زوجها اعتدت في بيت زوجها فاذا انقضت عدتها ذهبت حيث شاءت ولها مالها وما ورثته من زوجها أيضا وقوله تعالى : (وَلا تَعْضُلُوهُنَ (٢) لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ). فهذا حكم آخر وهو أنه يحرم على الزوج إذا كره (٣) زوجته أن يضايقها ويضارها حتى تفتدى منه ببعض مهرها ، اذ من معانى العضل المضايقة والمضارة ، هذا ما لم ترتكب الزوجة فاحشة الزنى ، او تترفع عن الزوج وتتمرد عليه وتبخسه حقه في الطاعة والمعاشرة بالمعروف أما إن أتت بفاحشة مبينة لا شك فيها او نشزت نشوزا بينا فحينئذ للزوج أن يضايقها حتى تفتدى منه بمهرها او بأكثر حتى يطلقها ، وذلك لقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) ، ثم أمر تعالى عباده المؤمنين بمعاشرة الزوجات بالمعروف وهو العدل والاحسان ، فقال : (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ، وان فرض ان أحدا منكم كره زوجته وهى لم تأت بفاحشة مبينة فليصبر عليها ولا يطلقها فلعل الله تعالى يجعل في بقائها في عصمته خيرا كثيرا له نتيجة الصبر عليها وتقوى الله تعالى فيها وفي غيرها ، فقد يرزق منها ولدا ينفعه ، وقد يذهب من نفسه ذلك الكره ويحل محله الحب والمودة. والمراد أن الله تعالى ارشد المؤمن
__________________
(١) روى البخاري في سبب نزول هذه الآية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها وإن شاء زوّجوها وإن لم يشاؤوا لم يزوّجوها فهم أحق بها من أهلها فنزلت هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ ...) الخ.
(٢) جائز أن يكون فعل (تَعْضُلُوهُنَ) في محل نصب على تقدير ولا أن تعضلوهن ، كما هي قراءة ابن مسعود وجائز أن يكون في محل جزم على أنّ لا : ناهية.
(٣) كرها لدمامة أو سوء خلق أو سلاطة لسان فليصبر على ذلك فإنّ الرسول صلىاللهعليهوسلم قال : «لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر» رواه مسلم.