معنى الآيتين :
روي أن ابن أم مكتوم رضي الله تعالى عنه لما نزلت هذه الآية بهذه الصيغة (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ...) الآية. أتى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : كيف وأنا أعمى يا رسول الله فما برح حتى نزلت (غَيْرُ أُولِي (١) الضَّرَرِ) فأدخلت بين جملتي (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) ومعنى الآية : إن الله تعالى ينفي أن يستوي في الأجر والمنزلة عنده تعالى من يجاهد بماله ونفسه ومن لا يجاهد بخلا بماله. وضنا بنفسه ، واستثنى تعالى أولي الأعذار من مرض ونحوه فإن لهم أجر المجاهدين وإن لم يجاهدوا لحسن نياتهم ، وعدم استطاعتهم فلذا قال (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) التي هي الجنة ، وقوله : (فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً) أي فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين لعذر درجة ، وإن كان الجميع لهم الجنة وهي الحسنى. وقوله تعالى : (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ) لغير عذر (أَجْراً عَظِيماً) وهو الدرجات (٢) العالية مع المغفرة والرحمة ، وذلك لأن الله تعالى كان أزلا وأبدا غفورا رحيما ، ولذا غفر لهم ورحمهم ، اللهم اغفر لنا وارحمنا معهم.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين :
١ ـ بيان فضل المجاهدين على غيرهم من المؤمنين الذين لا يجاهدون.
٢ ـ أصحاب الأعذار الشرعية ينالون أجر المجاهدين إن كانت لهم رغبة في الجهاد ولم يقدروا عليه لما قام بهم من (٣) أعذار وللمجاهدين فعلا درجة تخصهم دون ذوي الأعذار.
__________________
(١) قرىء (غَيْرُ) بالرفع على أنه نعت لل (الْقاعِدُونَ) وقرىء بالنصب على الاستثناء ويصح أيضا على الحال.
(٢) روي في الصحاح أنّ في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ، وقال صلىاللهعليهوسلم : «من رمى بسهم فله أجره درجة فقال رجل يا رسول الله وما الدرجة؟ : قال : أما إنها ليست بعتبة بابك ، ما بين الدرجتين مائة عام».
(٣) روى البخاري تعليقا وغير واحد أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم وقد قفل عائدا من إحدى غزواته قال : إنّ بالمدينة رجالا ما قطعتم واديا ، ولا سرتم مسيرا إلّا كانوا معكم أولائك قوم حبسهم العذر».