(يُمَنِّيهِمْ) : يجعلهم يتمنون كذا وكذا ليلهيهم عن العمل الصالح.
معنى الآيات :
قوله تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ (١) بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) إخبار منه تعالى عن طعمة بن أبيرق بأنه لا يغفر له وذلك لموته على الشرك ، أما إخوته الذين لم يموتوا مشركين فإن أمرهم إلى الله تعالى إن شاء غفر لهم وإن شاء آخذهم كسائر مرتكبي الذنوب غير الشرك والكفر. وقوله تعالى (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) أي ضل عن طريق النجاة والسعادة ببعده عن الحق بعدا كبيرا وذلك بإشراكه بربه تعالى غيره من مخلوقاته.
وقوله تعالى (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً). هذا بيان لقبح الشرك وسوء حال أهله فأخبر تعالى أن المشركين ما يعبدون إلا أمواتا لا يسمعون ولا يبصرون ولا ينطقون ولا يعقلون. إذ أوثانهم ميتة وكل ميت فهو مؤنث زيادة على أن أسماءها مؤنثة كاللات والعزى ومناة ونائلة ، كما هم في واقع الأمر يدعون شيطانا مريدا إذ هو الذي دعاهم إلى عبادة الأصنام فعبدوها فهم إذا عابدون للشيطان في باطن الأمر لا الأوثان ، ولذا قال تعالى : (وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً) (٢) لعنه الله وأبلسه عند إبائه السجود لآدم ، (وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) (٣) أي عددا كبيرا منهم يعبدونني ولا يعبدونك وهم معلومون معروفون بمعصيتهم إياك ، وطاعتهم لي. وواصل العدو تبجحه قائلا : (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ) يريد عن طريق الهدى (وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ) يريد أعوقهم عن طاعتك بالأماني الكاذبة بأنهم لا يلقون عذابا أو أنه سيغفر لهم. (وَلَآمُرَنَّهُمْ) فيطيعوني (فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ) (٤) أي ليجعلون لآلهتهم نصيبا مما رزقتهم ويعلمونها بقطع آذانها لتعرف أنها للآلهة كالبحائر والسوائب التي يجعلونها للآلهة ، (وَلَآمُرَنَّهُمْ) أيضا فيطيعونني فيغيرون خلق الله بالبدع
__________________
(١) في هذه الآية ردّ على الخوارج الذين يكفرون بالذنب دون الشرك ويوجبون الخلود في النار لمن مات على كبيرة قال علي رضي الله عنه : ما في القرآن آية أحبّ إليّ من هذه : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) رواه الترمذي.
(٢) أطلق الدعاء وأريد به العبادة ، وهو إطلاق شائع في القرآن الكريم لأن الدعاء هو العبادة إذ طاعتهم للشيطان عبادة في حدّ ذاتها إذ المطاع في معصية الله معبود قال تعالى : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) أي آلهة وذلك لمّا أطاعوهم في معصية الله تعالى.
(٣) قيل كان نصيبه من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين لحديث مسلم : «أبعث بعث النار فيقول وما بعث النار؟ فيقول : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين» المخاطب آدم عليهالسلام.
(٤) أجاز الجمهور خصاء الغنم لفائدة اللحم ، وحرّموا خصاء غيرها ، وخاصة الآدمي ، وأجازوا الوسم في غير الوجه للحيوان ليعرف به وهو كذلك ، أمّا الوشم فحرام للأحاديث الصحاح فيه.