(الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ) : الدرك : كالطابق ، والدركة كالدرجة.
(وَأَصْلَحُوا) : ما كانوا قد أفسدوه من العقائد والأعمال.
(وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ) : تمسكوا بدينه وتوكلوا عليه.
(وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ) : تخلوا عن النفاق والشرك.
معنى الآيات :
ما زال السياق في إرشاد الله تعالى المؤمنين إلى ما يعزهم ويكملهم ويسعدهم ففي هذه الآية (١٤٤) يناديهم تعالى بعنوان الإيمان وهو الروح الذي به الحياة وينهاهم عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين فيقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) ومعنى اتخاذهم أولياء موادتهم ومناصرتهم والثقة فيهم والركون إليهم والتعاون معهم ، ولما كان الأمر ذا خطورة كاملة عليهم هددهم تعالى بقوله : (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً (١) مُبِيناً) فيتخلى عنكم ويسلط عليكم أعداءه الكافرين فيستأصلوكم ، أو يقهروكم ويستذلوكم ويتحكموا فيكم. ثم حذرهم من النفاق أن يتسرب إلى قلوبهم فأسمعهم حكمه العادل في المنافقين الذين هم رؤوس الفتنة بينهم فقال : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ (٢) الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) ، فأسفل طبقة في جهنم هي مأوى المنافقين يوم (٣) القيامة ، ولن يوجد لهم ولي ولا نصير أبدا ثم رحمة بعباده تبارك وتعالى يفتح باب التوبة للمنافقين على مصراعيه ويقول لهم (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) إلى ربهم فآمنوا به وبرسوله حق الإيمان (وَأَصْلَحُوا) أعمالهم (وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ) ونفضوا أيديهم من أيدي الكافرين ، (وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ) فلم يبقوا يراءون أحدا بأعمالهم. فأولئك الذين ارتفعوا إلى هذا المستوى من الكمال هم مع المؤمنين جزاؤهم واحد ، وسوف يؤتي الله المؤمنين أجرا عظيما وهو كرامة الدنيا وسعادة الآخرة.
__________________
(١) قال القرطبي في تفسيره : (سُلْطاناً مُبِيناً) أي في تعذيبه إياكم بإقامة الحجة عليكم إذ قد نهاكم.
(٢) الدرك بالإسكان والفتح ، والنار سبع دركات ، يقال فيما تعالى وارتفع : درجة ، وفيما سفل ونزل : دركة والدركات هي كالتالي : جهنّم ثمّ لظى ثمّ الحطمة ثمّ السعير ثمّ سقر ثمّ الجحيم ثمّ الهاوية ، وقد تسمى جميعها باسم الطبقة الأولى : جهنّم.
(٣) روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه قال : إنّ أشدّ الناس عذابا يوم القيامة المنافقون ، ومن كفر من أصحاب المائدة وآل فرعون ، تصديق ذلك في كتاب الله تعالى. قال تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) وقال في أصحاب المائدة : (فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) وقال في آل فرعون : (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ).