(وَلَمْ يُفَرِّقُوا) : كما فرق اليهود فآمنوا بموسى وكفروا بعيسى ومحمد صلىاللهعليهوسلم وكما فرق النصارى آمنوا بموسى وعيسى وكفروا بمحمد صلىاللهعليهوسلم فهم لذلك كفار.
(أُجُورَهُمْ) : أجر إيمانهم برسل الله وعملهم الصالح وهو الجنة دار النعيم.
معنى الآيات :
يخبر تعالى مقررا حكمه على اليهود والنصارى بالكفر الحق الذي لا مرية فيه فيقول إن الذين يكفرون بالله (١) ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ، ويريدون أن يتخذوا بين ذلك أي بين الكفر بالبعض والإيمان بالبعض سبيلا أي طريقا يتوصلون به الى مذهب باطل فاسد وهو التخيّر بين رسل الله فمن شاءوا الإيمان به آمنوا ، ومن لم يشاءوا الإيمان به كفروا به ولم يؤمنوا وبهذا كفروا كفرا لا ريب فيه ،
ولهم بذلك العذاب المهين الذي يهانون به ويذلون جزاء كبريائهم وسوء فعالهم قال تعالى (أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) (٢) فسجل عليهم الكفر ثلاث مرات فالمرة الأولى بقوله (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ) والثانية بقوله (أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا) والثالثة بقوله (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) حيث لم يقل واعتدنا لهم فأظهر في موضع الإضمار لتسجيل الكفر عليهم وللإشارة الى علة الحكم وهي الكفر.
هذا ما تضمنته الآية الأولى (١٥١) أما الآية الثانية وهى قوله تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا (٣) بِاللهِ وَرُسُلِهِ) فإنها مقابلة في ألفاظها ومدلولها للآية قبلها فالأولى تضمنت الحكم بالكفر على اليهود والنصارى ، وبالعذاب المهين لهم والثانية تضمنت الحكم بإيمان المسلمين وبالنعيم المقيم لهم وهو ما وعدهم به ربهم بقوله (أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ ، وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً). فغفر لهم ذنوبهم ورحمهم بأن أدخلهم دار كرامته في جملة أوليائه.
__________________
(١) نسبهم تعالى إلى الكفر به لأنّ إيمانهم بالله تعالى باطل وذلك أنّ اليهود يصفون الله تعالى بصفات المحدثين ونسبوا إليه الولد وكثير من صفات تنزه الله عنها ، وأنّ النصارى يكفيهم كفرا قولهم إنّ الله ثالث ثلاثة وهو الكفر بعينه ، وحسبهم بعد ذلك كفرهم بمحمد صلىاللهعليهوسلم وبما جاء به.
(٢) توعدوا بالعذاب المهين مقابل ما كانوا يرتكبونه من إهانة المؤمنين وإذلالهم ، والجزاء من جنس العمل و (حَقًّا) في الآية منصوب على المصدرية ، أي حقه لهم أيّها السامع حقا.
(٣) هذا أسلوب القرآن الكريم فإنّه بعد أن ذكر الكافرين حقا وبيّن جزاءهم ، ذكر المؤمنين حقا وبيّن جزاءهم ، وهذا اسلوب الترغيب والترهيب الذي عليه مدار الهداية والإصلاح بإذن الله تعالى.