بها على عمارتها ، فلمّا انتهوا إلى موضع الركن اختصموا وأراد كلّ قوم أن يكونوا هم الذين يضعونه في موضعه ، وتفاقم الأمر بينهم حتى تناصفوا على أن يجعلوا ذلك لأوّل طالع ، فطلع عليهم النبيّ ، صلّى الله عليه وسلّم ، فاحتكموا إليه فقال : هلموا ثوبا! فأتي به فوضع الركن فيه ثمّ قال : لتأخذ كلّ قبيلة بناحية من الثوب ، ففعلوا ذلك حتى إذا رفعوه إلى موضعه أخذ النبيّ ، عليه السلام ، الحجر بيده ووضع في الركن.
وعن عائشة قالت : سألت رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، عن الحجر أمن البيت هو؟ قال : نعم. قلت : فما بالهم لم يدخلوه في البيت؟ فقال ، صلّى الله عليه وسلّم : إن قومك قصرت بهم النفقة. قلت : فما شأن بابه مرتفعا؟
قال : فعلوا ذلك ليدخلوا من شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا ، ولولا أن قومك حديثو عهد بالجاهليّة أخاف أن تنكر قلوبهم لنظرت اني أدخل الحجر في البيت.
فأدخل عبد الله بن الزبير عشرة من الصحابة حتى سمعوا منها ذلك ، ثمّ هدم البيت وبناها على ما حكت عائشة. فلمّا قتل الحجّاج ابن الزبير ردّها على ما كان ، وأخذ بقيّة الأحجار وسدّ بها الغربي ورصّف الباقي في البيت ، فهي الآن على بناء الحجّاج.
وأمّا الحجر الأسود فجاء في الخبر انّه ياقوتة من يواقيت الجنّة ، وانّه يبعث يوم القيامة وله عينان ولسان يشهد لمن استلمه بحقّ وصدق.
روي أن عمر بن الخطّاب قبّله وبكى حتى علا نشيجه ، فالتفت فرأى عليّا فقال : يا أبا الحسن ههنا تسكب العبرات ، واعلم انّه حجر لا يضرّ ولا ينفع! ولولا اني رأيت رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، يقبّله ما قبّلته! فقال عليّ : بلى هو يضرّ وينفع يا عمر ، لأن الله تعالى لمّا أخذ الميثاق على الذرية كتب عليهم كتابا وألقمه هذا الحجر ، فهو يشهد للمؤمن بالوفاء وعلى الكافر بالجحود ، وذلك قول الناس عند الاستلام : اللهمّ إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك.