فيه الدعاء ، يقصده الناس ، وأهل المدينة يرون بالليل على الكهف نورا عظيما ، ويعرفون أن ذلك النور من سكان الكهف.
وكان من بداية أمرهم ما حكى وهب بن منبّه أن سليمان بن داود ، عليه السلام ، لمّا قبض ، ارتدّ ملك الروم إلى عبادة الأصنام ، ودقيانوس أحد قواده رجع أيضا معه ، ومن خالفه عذّبه بالقتل والحرق والصلب. فاتّفق أن بعض الفتيان من أولاد البطارقة خرجوا ذات يوم لينظروا إلى المعذّبين من الموحّدين ، فقدر الله هدايتهم وفتح أبصارهم ، فكانوا يرون الرجل الموحّد إذا قتل هبطت إليه الملائكة من السماء وعرجوا بروحه ، فآمنوا ومكثوا على ذلك حتى ظهر أمر إسلامهم. فأرسل الملك إلى آبائهم وعتب عليهم بسبب إسلام أولادهم ، فقالوا : أيّها الملك ، نحن تبرّأنا منهم شأنك وشأنهم! فأحضرهم الملك وقال لهم : لكم المهل ثلاثة أيّام ، وإني شاخص في هذه الأيّام من البلد ، فإن وجدتكم في اليوم الرابع عند رجوعي مخالفين لطاعتي عذبتكم عذاب من خالفني ؛ فلمّا كان اليوم الثالث اجتمع الفتية وقالوا : إنّما يومنا هذا هو وليلته ، وعزموا على الهرب في تلك الليلة ، فلمّا جنّهم الليل حمل كلّ واحد شيئا من مال أبيه وخرجوا من المدينة يمشون ، فمرّوا براعي غنم لبعض آبائهم فعرفهم فقال : ما شأنكم يا سادتي؟ فأظهروا أمرهم للراعي ودعوه إلى التوحيد ، فأجابهم فأخذوه معهم.
وتبع الراعي كلبه ، فساروا ليلتهم وأصبحوا على باب كهف دخلوا فيه وقالوا للراعي : خذ شيئا من الورق وانطلق إلى المدينة ، واشتر لنا طعاما فإن القوم لا علم لهم بخروجك معنا. فأخذ الدراهم ومضى نحو المدينة وتبعه كلبه ، وكان على باب المدينة صنم لا يدخل أحد المدينة إلّا بدأ بالسجود لذلك الصنم قبل دخوله ، فبقي الراعي متفكّرا في السجود للصنم ، فألهم الله الكلب ان عدا بين يديه حتى دخل المدينة ، وجعل الراعي يعدو خلفه ويقول : خذوه خذوه! حتى جاوز الصنم ولم يسجد. فلمّا انتهى إلى السوق واشترى بعض حوائجه