الرّوم
بلاد واسعة من أنزه النواحي وأخصبها وأكثرها خيرا وعجائب ذكرت في مواضعها. مياهها أعذب المياه وأخفّها ، وهواؤها أصحّ الأهوية وأطيبها ، وترابها أطيب الأتربة وأصحّها. ومن خواصّها نتاج الدوابّ والنعم. وليس في شيء من البلاد مثل مائها يحمل منها إلى سائر الآفاق ، وكذلك أصناف الرقيق من الترك والروم.
وأهلها مسلمون ونصارى. وشتاؤها يضرب المثل به حتى وصفه بعضهم فقال : الشتاء بالروم بلاء وعذاب وعناء! يغلظ فيها الهواء ويستحجر الماء ، تذوي الوجوه وتعمش العيون وتسيل الأنوف وتغيّر الألوان وتقشف الأبدان ، وتميت كثيرا من الحيوان. أرضها كالقوارير اللامعة وهواؤها كالزنابير اللاسعة ، وليلها يحول بين الكلب وهريره والأسد وزئيره ، والطير وصفيره ، والماء وخريره ، ويتمنّى أهلها من البرد الأليم دخول حرّ الجحيم!
وبلاد الروم بلاد واسعة ومملكة عظيمة ، ولبعدها عن بلاد الإسلام وقوّة ملكها بقيت على كفرها كما كانت ، وانّه أحد معجزات رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، انّه قال : أمّا فارس فلا نطحة أو نطحتان ثمّ لا فارس بعدها! وأمّا الروم فإنّها ذات قرون كلما مرّ قرن يخلفه قرن آخر!
وأهل الروم سكّان غربي الإقليم الخامس والسادس ، ولبرد بلادهم ودخولها في الشمال ترى الغالب على ألوانهم البياض ، وعلى شعورهم الشقرة ، وعلى أبدانهم الصلابة. والغالب على طبعهم مباشرة اللهو والطرب ، لأنّ المنجّمين زعموا ان الروم تتعلّق بالزهرة.
وحكي أن أهل الروم كانوا لا يملّكون إلّا من كان أكثرهم عقلا وأوفرهم علما وأصحّهم بدنا ، وإذا اختلّ منه شيء من هذه ملّكوا غيره وعزلوه ، وكانوا على هذا إلى أن أصاب ملكهم آفّة فهمّوا بعزله ، فقال الملك : اصبروا