تبّت
بلاد متاخمة للصين من إحدى جهاته وللهند من أخرى ، مقدار مسافتها مسيرة شهر ، بها مدن وعمارات كثيرة ، ولها خواصّ عجيبة في هوائها ومائها وأرضها من سهلها وجبلها ، ولا تحصى عجائب أنهارها وثمارها وآبارها. وهي بلاد تقوى بها طبيعة الدم ، فلهذا الغالب على أهلها الفرح والسرور ، فلا يزال الإنسان بها ضاحكا فرحا لا يعرض له الهمّ والحزن ، ولا يكاد يرى بها شيخ حزين أو عجوز كئيبة ، بل الطرب في الشيوخ والكهول والشبّان عام ، حتى يرى ذلك في وجه بهائمهم أيضا ، وفي أهلها رقّة طبع وبشاشة وأريحيّة تبعث على كثرة استعمال الملاهي وأنواع الرقص ، حتى ان أحدهم لو مات لا يدخل أهله كثير حزن.
وبها معدن الكبريت الأحمر الذي في الدنيا قليل من ظفر به فقد ظفر بمراده.
وبها جبل السمّ ، وهو جبل من مرّ به يضيق نفسه ، فإمّا يموت أو يثقل لسانه.
وبها ظباء المسك وانّها في صورة ظباء بلادنا ، إلّا أن لها نابين كنابات الخنازير ، وسرّتها مسك ولكن مسك ظباء تبّت أحسن أنواع المسك ، لأن ظباءها ترعى السنبل ، وأهل تبت لا يتعرّضون للمسك حتى ترميه الغزال ، وذلك أنّه يجتمع الدم في سرّتها مثل الخراج ، فإذا تمّ ذلك الخراج تأخذ الغزال شبه الحكّة ، فإذا رأت حجرا حادّا تحكّ به سرّتها والدم ينفجر منها ، والغزال تجد بذلك لذّة فتحكّ حتى تنصب المادة كلّها من السرّة وتقع على ذلك الحجر ، وأهل تبت يتبعون مراعيها ، فإذا وجدوا تلك المادّة المنفجرة على الحجر أخذوها وأودعوها النوافج ، فإنّها أحسن أنواع المسك لبلوغ نضجه ، وإن ذلك يكون عند ملوكهم يتهادون به قلّ ما يقع منه بيد التجّار.
وبها فارة المسك ، وهي دويبة تصاد وتشدّ سرّتها شدّا وثيقا ، فيجتمع