وأحضر حامد الورّاقين واستحلفهم أن لا يبيعوا شيئا من كتب الحلّاج ولا يشترونها (١).
وقيل : إنّ الحلّاج لم يتأوّه في ضربه (٢).
وقيل : إنّ يده لمّا قطعت كتب الدّم على الأرض : الله الله (٣) وليس ذلك بصحيح.
وسائر مشايخ الصّوفية ذمّوا الحلّاج إلّا ابن عطاء ، ومحمد بن خفيف الشّيرازيّ ، وإبراهيم بن محمد النّصراباذيّ ، فصحّحوا حاله ودوّنوا كلامه (٤).
ثمّ وقفت على الجزء الّذي جمعه ابن باكويه في الحلّاج فقال : حدّثني حمد بن الحلّاج ، وذكر فصلا قد تقدّم قطعة منه ، إلى أن قال : حتّى أخذه السّلطان وحبسه ، فذهب نصر القشوريّ واستأذن الخليفة أن يبني له بيتا في الحبس ، فبنى له دارا صغيرة بجنب الحبس ، وسدّوا باب الدّار ، وعملوا حواليه سورا ، وفتحوا بابه إلى الحبس ، وكان النّاس يدخلون عليه سنة ، ثمّ منعوا ، فبقي خمسة أشهر لا يدخل عليه أحد ، إلّا مرّة رأيت أبا العبّاس بن عطاء الأدميّ دخل عليه بالحيلة. ورأيت مرّة أبا عبد الله عبد الله بن خفيف وأنا برّا (٥) عند والدي باللّيل والنّهار عنده. ثمّ حبسوني معه شهرين ، وعمري يومئذ ثمانية عشر عاما.
فلمّا كانت اللّيلة الّتي أخرج من صبيحتها ، قام فصلّى ركعات ، ثمّ لم يزل يقول : مكر مكر ، إلى أن مضى أكثر اللّيل. ثمّ سكت طويلا ثم قال : حقّ ، حقّ. ثمّ قام قائما ، وتغطّى بإزار ، واتّزر بمئزر ، ومدّ يديه نحو القبلة ، وأخذ في المناجاة. وكان خادمه حاضرا ، فحفظنا بعضها. فكان من مناجاته :
نحن شواهدك ، نلوذ بسنا (٦) عزّتك ، لتبدّى ما شئت من شأنك ومشيئتك ،
__________________
(١) نشوار المحاضرة ٦ / ٩٢ ، تجارب الأمم ١ / ٨٢ ، تاريخ بغداد ٨ / ١٤١.
(٢) تكملة تاريخ الطبري ٢٥ ، تاريخ بغداد ٨ / ١٣١ ، تاريخ مختصر الدول ١٥٦.
(٣) تاريخ حلب للعظيميّ ٢٧٩.
(٤) تاريخ بغداد ٨ / ١٢٨.
(٥) برّا : أي خارج.
(٦) في تاريخ بغداد ٨ / ١٢٩ : «نحن شواهدك فلو دلتنا عزّتك».