الفصل الرابع
عبدة الأصنام
اعلم أن الأصناف التي ذكرنا مذاهبهم يرجعون آخر الأمر إلى عبادة الأصنام ، إذ كان لا يستمر لهم طريقة إلا بشخص حاضر ، ينظرون إليه ويعكفون عليه ، وعن هذا اتخذت أصحاب الروحانيات والكواكب أصناما زعموا أنها على صورتها ؛ وبالجملة وضع الأصنام حيث ما قدروه إنما هو على معبود غائب حتى يكون الصنم المعمول على صورته وشكله وهيأته نائبا منابه وقائما مقامه ، وإلا فنعلم قطعا أن عاقلا ما لا ينحت جسما بيده ويصوره صورة ثم يعتقد أنه إلهه وخالقه ، وإله الكل وخالق الكل ؛ إذ كان وجوده مسبوقا بوجود صانعه ، وشكله يحدث بصنعة ناحته.
لكن القوم لما عكفوا على التوجه إليها ، كان عكوفهم ذلك عبادة ، وطلبهم الحوائج منها إثبات إلهية لها ، وعن هذا كانوا يقولون : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) (١) فلو كانوا مقتصرين على صورها في اعتقاد الربوبية والإلهية لما تعدوا عنها إلى رب الأرباب.
١ ـ المهاكاليّة (٢)
لهم صنم يدعى مهاكال له أربع أيد ، كثير شعر الرأس سبطها ، وبإحدى يديه ثعبان عظيم فاغر فاه ، وبالأخرى عصا ، وبالثالثة رأس إنسان ، وباليد الرابعة قد دفعها وفي أذنيه حيتان كالقرطين ، وعلى جسده ثعبانان عظيمان قد التفّا عليه ، وعلى رأسه إكليل من عظام القحف ، وعليه من ذلك قلادة ، يزعمون أنه عفريت يستحق العبادة لعظمة قدره ، واستجماعه الخصال المحمودة المحبوبة والمذمومة من الإعطاء والمنع والإحسان والإساءة. وأنه المفزع لهم في حاجاتهم ، وله بيوت عظام بأرض الهند ينتابها أهل ملته في كل يوم ثلاث مرات، يسجدون له ويطوفون به ، ولهم
__________________
(١) سورة الزمر : الآية ٣.
(٢) لمزيد من الاطلاع راجع الفهرست لابن النديم ص ٤٨٨.