ولأن الأثر إنما يحتاج الى المؤثر حالة العدم عندهم ، لأن حالة الوجود حالة الاستغناء وحالة الحدوث هي حالة الوجود ، فلو كان الحدوث علة الحاجة لزم تقدم الحكم على العلة وأنه محال.
احتج مشايخ المتكلمين بوجهين :
احدهما : أن متعلق قصدنا ودواعينا من الفعل هو حدوثه ، حتى أن الشيء اذا لم يصح حدوثه بأن يكون مستحيلا او ماضيا او قديما لم تتعلق قدرتنا به ، فقد تعلق الحدوث بقدرتنا بحسب الدواعي وانتفى بحسب الصوارف ، فعلم أنه العلة المحوجة للأثر إلينا دون باق الصفات.
الثاني : أن للأثر ثلاثة احوال : حالة عدم وحالة بقاء وحالة حدوث ، فحالة العدم لا يحتاج فيها الى الفاعل وكذلك حالة البقاء لانها حالة الاستغناء فبقيت حالة الحدوث.
والجواب عن الأوّل : أن متعلق القدرة هو الوجود الجائز ، واما كون الوجود مسبوقا بعدم فهو امر واجب لذات الوجود الحادث فيستغنى عن المؤثر ، سلمنا أن متعلق القدرة هو الحدوث ، لكنّه لا يدل على انه العلّة في التعلق.
والجواب عن الثاني : أن الأثر عند خصمكم لا ينحصر أحواله فيما ذكرتم بل في الحادثات ، ولئن سلّم ذلك لكنّه لا نقول إن الباقي مستغن عن المؤثر فإنه حالة البقاء ممكن.
واعلم ان سبب غلط هؤلاء القوم هو أخذ ما بالعرض مكان ما بالذات ، فإن الحادث مفتقر الى المؤثر لا لحدوثه بل لوجوب مقارنته بالجواز (١).
تذنيب : ظهر من هذا أن الباقي مفتقر ، خلافا لقوم (٢) احتجّوا بوجهين :
__________________
(١) ب : سقط هنا قريبا من سطر واحد.
(٢) خلاف أخر بين الحكماء ومتقدمي المتكلمين ، وهو ان العالم كما كان في اصل وجوده محتاجا