عنه قيد شـعرة .
ولكلّ واحد من الأنبياء والأئمّة سـجلٌّ خاصٌّ به ، من بدء قيامه بالسـفارة والدعوة إلىٰ منتهىٰ أجله ، حسـب المصالح ومناسـبات الظروف الخاصّة ، والحِكَمِ التي اقتضت لذلك المَلِك الحَكيم أن يسـجّلها علىٰ ذلك السـفير ، مِن قتل ، أو سـمّ ، أو أسـر ، أو غير ذلك من قضايا التضحية والمفاداة .
وعبء السـؤال وعبء البحث عن تلك الحِكَم والأسـرار مطروحٌ عن الرعية ، وهو تكلّفٌ زائد ، بل ربّما يكون نفس السـفير غير واقف عليها تماماً ، إنّما يجد في سـجلّ أحواله : عليك أن تبذل نفسـك للقتل في الوقت الفلاني ؛ فيقول : سـمعاً وطاعة ؛ وليس له حقّ السـؤال والمراجعة عن الحكمة أو المصلحة بعد أن كان من اليقين علىٰ مثل ضوء الشـمس أن قضايا ذلك الحَكَم (١) وعزائِمَهُ كُلُّها مُنبَعِثَةٌ عن أقصىٰ ما يمكن من الصلاح ومعالي الحكمة ، ليس في الإمكان أبدع ممّا كان .
وكلّ هذه النظريات سـلسـلة عقائد يبتني بعضها علىٰ بعض ، وكلّها مدعومة بالحجّة والبرهان ممّا تمخّضت عن عقول الفلاسـفة وآراء الحكماء من معاهد العلم والتأريخ ، وكلّها فروع أصل واحد ، ينتهي إليه البحث والجدل ، وتنقطع عن الخصومة .
وما هو إلّا إثبات العناية الأزلية والقوّة القاهرة الشـاعرة ، وأنّها هي المدبّرة لهذه العوامل ، لا الطبيعة العمياء والمادّة الصمّاء الفاقدة للحسّ
__________________
(١) كذا في الأصل ، والظاهر أنّه تصحيف : « الحكيم » ، بقرينة : « الملِك الحكيم » التي جاءت قبل عدّة أسـطر .