إذاً ، فجزىٰ الله تلك الحرائر بحسـن صنيعهنّ عن الإسـلام أحسـن الجزاء ، وكلّ مسـلم مدين بالشـكر لهنّ وللحسـين عليهالسلام إذا كان مسـلماً حقّـاً ويرىٰ للإسـلام حقّـاً عليه .
وعلىٰ هذا ، فيحقّ للجنس اللطيف ـ كما يسـمّونه اليوم ـ أن يفخر علىٰ الجنس الآخر بوجود مثل تلك العليّات العلويّات فيه ، وقد تجلّىٰ وٱتّضح أنّ هذا الجنس الشـريف قد يقوم بأعمال كبيرة يعجز عنها الجنس الآخر ولو بذل كلّ ما في وسـعه ، وأنّ له التأثير الكبير في قلب الدول والممالك ، وتحوير الأفكار ، وإثارة الرأي العامّ .
وهذه نكـتة واحدة من نكات السـياسـة الحسـينية ، وغور نظره في الشـؤون الدولية لو قطعنا النظر عن الوحي والإمامة ، وجعلناه كواحد من الناس قد ثار علىٰ عدوّ له متغلّب عليه ، يريد الانتقام منه ، يريد أن ينقله من عرشـه إلىٰ نعشـه ، ومن قصـره إلىٰ قبـره ، ومـن ملكـه إلىٰ هلكـه ، ويريـد أن يقضي علىٰ دولة أبيه ودولته ، ولا يدع حظّـاً في الملك لولده وذرّيّـته .
ومن تصفّح سـيرة معاوية ، وجهوده العظيمة ، وتدابيره العميقة مدّة عشـرين سـنة ، يعرف عظيم مسـاعيه ، وكم كان حريصاً علىٰ توطيد دعائم الملك ليزيد ، وحبسـه أبـداً عليـه وعلىٰ ولده ، حتّـىٰ دسّ السـمّ إلىٰ
__________________
* والأسود العنسي ، عيهلة بن كعب بن عوف العنسي المذحجي ، قيل : إنّه كان أسود الوجه فسمّي الأسود للونه ، متنبّـئ مشعوذ ، من أهل اليمن ، أسلم لمّا أسلمت اليمن ، وٱرتدّ في أيّام النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فكان أوّل مرتدّ في الإسلام ، وٱدّعىٰ النبوّة ، قُتل قبل وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بخمسة أيّام ، وكان ظهوره في سـنة ١٠ هـ .
ٱنظر : الكامل في التاريخ ٢ / ٢٠١ ، البداية والنهاية ٦ / ٢٢٨ .