الحسـن عليهالسلام وقتله مقدّمة لاسـتخلاف يزيد ، وكم اسـتعمل العامِلَين القويَّين السـيف والدينار ، والرغبة والرهبة ، في تمهيد عرش يزيد وإعطائه صولجان الملك وتاج الخلافة الذي انتزعه من بني هاشـم ، وأعمل التدابير المبرمة في أن لا يعود إليهم أبداً .
ولكنّ الحسـين وعلىٰ ذِكره آلاف التحيّة والسـلام بتفاديه وتضحيته ، وتدابيره الفلسـفية ، وإحاطته بدقائق السـياسـة ، ثَـلَّ (١) ذلـك العـرش ، وهـدم ذلـك البنيـان الذي بنـاه معاويـة في عشـرين سـنة ، هدمـه في بضعـة أيّـام ، وما أثمـر ذلك الغرس الذي غرسـه معاويـة ليزيد إلّا العـار والشـنار ، والخزي المؤبّـد ، واللعنـة الدائمـة ، وصـار معـاويـة المثـل الأعلىٰ للخداع والمكر ، والظلم والجـور ، والرمز لكلّ رذيلة ، ومعاداة كلّ فضيلة .
كلّ ذلك بفضل السـياسـة الحسـينية وعظيم تضحيته ، وصار هو وأهل بيته ـ إلىٰ الأبد ـ المثل الأعلىٰ لكلّ رحمة ونعمة ، وبركة وسـلام ، فما أكبره وما أجلّه !
وقد بقيت هناك دقائق وأسـرار لم يتّسـع الوقت لنظمها في هذا السـلك ، ولقد كـنت أتمنّىٰ منذ عشـرين سـنة أن أنتهز من عمري فرصة ، وآخذ من مزعجات أيّامي مهلة ، لأكـتب كـتاباً في دقائق السـياسـة الحسـينية ، وأسـرار الشـهادة ، بما لم يكـتبه كاتب ، ولا حامَ حول شـيء منه مؤلّف ، ولا تفوّه وألَمّ خطيبٌ ببعضه ، ولكنّ حوادث الأيّام وتقلّبات الصروف لا تزال تدفعني من محنة إلىٰ محنة ، ومن كارثة إلىٰ أُخرىٰ .
__________________
(١) ثُـلَّ عَـرْشُ فلان ثَـلّاً : هُدِم وزالَ أمرُ قومه .
ٱنظر : لسان العرب ٢ / ١٢٣ مادّة « ثلل » .