حرمة المخالطة ؟ !
ولو سـلّمنا تنازلاً بحرمة المخالطة ، فأيّ منافاة بهذا لِما أبديناه وأريناه من أنّ حمله لنسـائه وأولاده اسـتماتة في سـبيل الكرامة والشـرف ؟ ! فإنّ حمله لهنّ لا يسـتلزم المخالطة بوجه ، وإلّا لَما جاز لامرأة أن تسـافر من محلّ إلىٰ آخر أبداً !
وأغرب من ذلك ، بل وأعجب جدّاً قولك ـ أيّدك الله وسـدّدك ـ : « وهناك شـيء آخر يخضع للنقد الشـخصي ، وهو أنّ الخمسـة أثواب يزيد ثمن الواحد منها علىٰ مئة ليرة عثمانية لا يتوافق اقتناؤها مع دواعي الزهد التي كانت متجسّمة في أبيه وجدّه سـيّد الرسـل . . . » إلىٰ آخر ما أفضت به وأفدت في هذه الناحية .
وكأنّك ـ عافاك الله ـ تحسـب أنّ الزهد هو الفقر والفَلاكة (١) وعدم الوجدان ، وأنّ الغناء والثروة تنافي الزهد ؟ !
لا يا عزيزي ، أعزّك الله ! حقيقة الزهد هو عدم الحرص علىٰ المال ، وعدم المبالاة في الدنيا ، وأن يكون وجود المال وعدمه عنده سـواء ؛ وقد جمع الله الزهد في كلمتين : ( لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا
__________________
(١) الفَـلَاكَـةُ : الفقر ، والـمَـفْـلُوكُ : الفقير ، وجمعه : مَـفَـاليك ، وهي كلمة فارسـية الأصل .
هذا ، وقد ألّف الدلجي ، أحمد بن عليّ بن عبـد الله الشافعي ، المتوفّىٰ سنة ٨٣٨ هـ ، كتاباً حول الفقر والفقراء بحث فيه عن أسبابه وعلله وذويه وحالتهم ، وأورد فيه أشهر من عضّهم الفقر بنابه وأناخ عليهم الدهر ، سمّاه « الـفَـلَاكَـةُ والـمَـفْـلُوكون » .
ٱنظر : هديّة العارفين ١ / ١٢٤ ، إيضاح المكنون ٢ / ٣٢٠ ، معجم المطبوعات العربية والمعرّبة ١ / ٨٧٧ ، المعجم المجمعي ٦ / ١١٢ مادّة « فلك » .