بِمَا آتَاكُمْ ) (١) ،
وحقيقة الزهد لا تظهر ولا تتجلّىٰ إلّا مع توفّر النعم وغزارة المال وبذله ، وعدم الحرص ، والتعفّف عن رذيلة الشـحّ والبخل ( وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (٢) . أمّا الفقير المعدم ، الذي لا
يجد ولا يملك شـيئاً ، فأيّ زهد له ؟ ! وأيّ فضيلة له بذلك الزهد القهري ؟ ! وقد سـئل الحسـن البصري : « أنت أزهـد أم عمر بن عبـد العزيز ـ وهو خليفة المسـلمين ـ ؟ فقال : عمر بن عبـد العزيز أزهد منّي ؛ لأنّه وجد فعفّ ، وتمكّن فكفّ ؛ ولعلّ الحسـن لو وجد وتمكّن لاسـتخفّ ، وأكل فأسـرف » (٣) . * وأمّا رسول الله وأمير المؤمنين ـ صلوات الله عليهما وآلهما ـ حيث كانوا يأكلون الشـعير ويلبسـون الصوف ، فليس لأنّـهم كانوا لا يتمكّنون من المآكل الطيّبة والملابس الليّنة ، ولكنّهم كانوا يحتقرون الدنيا ونعيمها الفاني ، ويقولون عن أهل الدنيا : « أُولئك قومٌ عجّلت لهم طيّباتهم ، ونحن أُخّرت طـيّباتنا » (٤) . * ولأمير المؤمنين عليهالسلام في « نهج البلاغة » كلام مع العلاء بن عاصم
، الذي ترك الدنيا ولبس الصوف ، فقال له : « يا عُدَيَّ (٥) نفسـه ! لقد اسـتهام __________________ (١)
سـورة [ الحديد ] ٥٧ آية ٢٣ . القاضي الطباطبائي . (٢)
سـورة [ الحشر ] ٥٩ آية ٩ ، سـورة [ التغابن ] ٦٤ آية ١٦ . القاضي الطباطبائي . (٣) ٱنظر
: ربيع الأبرار ١ / ٨١١ نحوه . (٤)
المستدرك علىٰ الصحيحين ٤ / ١١٧ ح ٧٠٧٢ ، زاد المسير ٧ / ١٧٧ ، مجمع البيان ٩ / ١٣١ ، الترغيب والترهيب ٤ / ٦٢ ح ١٢٠ . (٥)
عُدَيّ تصغير عدوّ . القاضي الطباطبائي . أقول : وقد ذكر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١١ / ٣٣ رقم ٢٠٢ إضافة
=