وكانت قِنيـة (١) تلك الأثواب الثمينة تمسّ ورع الحسـين عليهالسلام وزهده لو كان يشـحّ بها ويحرص عليها ، أمَا وقد بذلها في فكّ الأسـير المجاهد في سـبيل الله فتلك فضيلة للحسـين عليهالسلام ، وكرامة تزيد في علـوّ ورعه وزهده ، ورغبته في تضميد عواطف الفقراء المجروحة ، والترفيه عن كلّ بائـس محتـاج .
ولعلّك ـ عافاك الله ـ حسـبت أنّ الحسـين عليهالسلام يلبس تلك الثياب ويتظاهر فيها بالبذخ والخيلاء ، أو نحو ذلك ممّا ينافي تلك القدسـيّة السـامية ؟ !
كلّا يا عزيزي ! فإنّ الحسـين سـلام الله عليه لو ملَـكَ الدنيا كلّها لوهبها لحظة واحدة في سـبيل الله ، وفي سـبيل البرّ والمعروف ، وما كان يضع شـيئاً من تلك الثياب علىٰ بشـرة بدنـه الشـريف ، وإنّما يقتنيها ليجود بها ويعطيها ويضعها في مواضعها اللائقة بها .
وقد ورد في بعض الأخبار أنّه سـلام الله عليه لمّا اسـتُشـهد كان عليه من الدين سـبعة آلاف دينار ذهباً ، أو سـبعون ألفاً ، وأنّ عليّ بن الحسـين لمّا رجع إلىٰ المدينة امتنع عن الطعام والمنام إلىٰ أن قضاها عن أبيه (٢) .
والخلاصة : إنّ الزهد هو قطع العلاقة عن الدنيا ، وعن حبّ المال ، لا عدم وجود المال ، وليس الزهد هو لبس الثياب الممزّقة والأطمار
__________________
(١) قَـنا يَـقْـنُو قَـنْواً وقُـنْواناً ، والمصدر القِـنيان والقُـنيان ، وتقول : اقتنىٰ يقتني اقتناءً ، وهو أن يتّـخذه لنفسـه لا للبيع ، ويقـال : هـذه قِنـيَـةٌ وٱتّخذهـا قِنيـةً للنسـل لا للتجـارة .
ٱنظر : لسان العرب ١١ / ٣٢٩ مادّة « قنا » .
(٢) كشف المحجّة : ١٢٥ .