السابع والأربعون : ابن أبي الحديد قال : قال أمير المؤمنين عليهالسلام ومن خطبة منها في المنافقين فقال : «زرعوا الفجور وسقوه الغرور وحصدوا الثبور ، لا يقاس بآل محمد من هذه الأمة أحد ، ولا يسوي بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا ، هم اساس الدين وعماد اليقين ، إليهم يفي الغالي وبهم يلحق التالي ، ولهم خصائص حق الولاية ، وفيهم الوصية والوراثة ، [الآن] (١) رجع الحق إلى أهله ونقل إلى منتقله» قال ابن الحديد في الشرح : ذكر خصائص حق الولاية ، والولاية الأمرة ، فأما الامامية فتقول : أراد نص النبي صلىاللهعليهوآله عليه وعلى أولاده ، ونحن نقول : لهم خصائص حق ولاية الرسول صلىاللهعليهوآله على الخلق ثم قال عليهالسلام : «وفيهم الوصية والوراثة» ، أما الوصية فلا ريب عندنا أن عليا عليهالسلام كان وصي رسول الله صلىاللهعليهوآله وإن خالف في ذلك من هو منسوب عندنا إلى العناد ، ولسنا نعني بالوصية النص والخلافة ولكن أمورا أخرى لعلها إذا لمحت أشرف وأجل وأما الوراثة فالامامية يحملونها على ميراث المال أو الخلافة(٢) ، ونحن نحملها على وراثة العلم ، ثم ذكر عليهالسلام «أن الحق الآن رجع إلى أهله» ، وهذا يقتضي أن يكون فيما قبل في غير أهله ، ونحن نتأول ذلك على غير ما تذكره الامامية ونقول : إنه عليهالسلام كان أولى بالامر وأحق لا على وجه النص ، بل على وجه الأفضلية فإنه أفضل البشر بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله وأحق بالخلافة من جميع المسلمين لكنه ترك حقه لما علمه من المصلحة وما تفرس فيه والمسلمون من اضطراب الإسلام وانتشار الكلمة لحسد العرب له وضغنهم عليه ، وجائز لمن كان أولى بشيء فتركه ثم استرجعه أن يقول «قد رجع الأمر إلى أهله».
فأما معنى قوله عليهالسلام : «لا يقاس بآل محمد من هذه الأمة أحد ولا يسوي بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا» قيل : لا شبهة أن المنعم أشرف وأعلى من المنعم عليه ولا ريب أن محمدا صلىاللهعليهوآله وأهله الأدنين من بني هاشم لا سيما علي عليهالسلام أنعموا على الخلق كافة بنعمة لا يقدر قدرها ، وهي الدعاء إلى الإسلام والهداية إليه ، فمحمد صلىاللهعليهوآله وان كان هدى الخلق بالدعوة التي قام بها بلسانه ويده ونصرة الله له تعالى بملائكته وتأييده ، وهو السيد المتبوع والمصطفى المنتجب الواجب الطاعة ، إلا إن لعلي عليهالسلام من الهداية أيضا وان ثانيا لاول ومصليا على أثر سابق ما لا يجحد ، ولو لم يكن إلا جهاده بالسيف أولا وثانيا وما كان بين الجهادين من نشر العلوم وتفسير القرآن وارشاد العرب إلى ما لم تكن فاهمة ولا متصورة لكفى في وجوب حقه وسبوغ نعمته عليهالسلام.
فإن قيل : لا ريب في أن كلامه هذا تعريض بمن تقدم عليه فأي نعمة له عليهم؟ قيل : نعمتان الاولى الجهاد عنهم وهم قاعدون ، فإن من أنصف علم أنه لو لا سيف علي عليهالسلام لاصطلم المشركون
__________________
(١) زيادة من المصدر.
(٢) في المصدر : والخلافة.