زيد معصوم وبين قولنا : زيد واجب العصمة لأنه إمام ومن شرط الإمام أن يكون معصوما فالاعتبار الأول مذهبنا والاعتبار الثاني مذهب الإمامية. ثم قال عليهالسلام : «وردوهم ورود الهيم (١) العطاش» أي : كونوا ذوي حرص وانكماش على أخذ العلم والدين عنهم كحرص الهيم الظماء على ورود الماء.
قال : فإن قلت : فهل هذا الكلام عنه عليهالسلام أم قاله مرفوعا؟ قال؟ قلت : بل ذكره مرفوعا ، ألا ترى قال : «خذوها عن خاتم النبيين» ثم نعود إلى التفسير فنقول : إنه عليهالسلام لما قال لهم ذلك علم أنه قال قولا عجيبا وذكر أمرا غريبا ، وعلم أنهم ينكرون ذلك ويعجبون فقال لهم : «فلا تقولوا ما لا تعرفون» أي لا تكذّبوا أخباري ولا تكذبوا أخبار رسول الله صلىاللهعليهوآله لكم بهذا فتقولون ما لا تعلمون صحته. ثم قال : «فإن أكثر الحق» في الامور العجيبة التي تنكرونها كإحياء الموتى في القيامة وكالصراط والميزان والنار والجنة وسائر أحوال الآخرة.
هذا إن كان خاطب من لا يعتقد الإسلام فإن كان الخطاب لمن يعتقد الإسلام فإنه يعني بذلك أن أكثرهم كانوا مرجئة ومشبهة ومجبرة ، ومن يعتقد أفضلية غيره عليه ، ومن يعتقد أنه شرك في دم عثمان ، ومن يعتقد أن معاوية صاحب حجة في حربه أو شبهة يمكن أن يتعلق بها متعلق ومن يعتقد أنه أخطأ في التحكيم إلى غير ذلك من ضروب الخطأ التي كان اكثرهم عليها ، ثم قال : «واعذروا من لا حجة لكم عليه وهو أنا» يقول قد عدلت فيكم واحسنت السيرة فاقمتكم على المحجة البيضاء حتى لم يبق لأحد منكم حجة يحتج بها عليّ ، ثم شرح ذلك فقال : «عملت فيكم بالثقل الأكبر» يعني الكتاب «وخلفت فيكم الثقل الأصغر» يعني ولديه عليهماالسلام لأنهما بقية الثقل الأصغر فجاز أن يطلق عليهما بعد ذهاب من ذهب منه إنهما الثقل الأصغر وإنّما سمّى النبي صلىاللهعليهوآله الكتاب والعترة الثقلين لأن الثقل في اللغة متاع المسافر وحشمه فكانه صلىاللهعليهوآله لما شارف الانتقال إلى جوار ربّه جعل نفسه كالمسافر الذي ينتقل من منزل إلى منزل وجعل الكتاب والعترة كمتاعه وحشمه لأنهما أخصّ الأشياء به.
قوله عليهالسلام : «وركّزت فيكم راية الإيمان» أي غرزتها وأثبتها ، وهذا من باب الاستعارة ، وكذلك قوله : «ووقفتكم على حدود الحلال والحرام» من باب الاستعارة أيضا مأخوذة من حدود الدار وهي الجهات الفاصلة بينها وبين غيرها ، قوله : «والبستكم العافية من عدلي» استعارة فصيحة وأفصح منها قوله : «وفرشتكم المعروف من قولي وفعلي» أي جعلته لكم فراشا ، وفرش هاهنا متعدّ إلى مفعولين ، يقال : فرشته كذا أي أوسعته إياه ثم نهاهم أن يستعملوا الرأي فيما ذكره لهم من
__________________
(١) الهيم : الإبل.