(إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (١) وهذا الفضل الذي لا يجهله أحد معاندا أصلا لأنه فضل بعد طهارة تنتظر فهذه الثانية ، وأما الثالثة فحين ميّز الله تعالى الطاهرين من خلقه وأمر نبيه صلىاللهعليهوآله بالمباهلة بهم في آية الابتهال فقال عزوجل : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) (٢) فأبرز النبي صلىاللهعليهوآله عليا والحسن والحسين وفاطمة (صلوات الله وسلامه عليهم) وقرن أنفسهم بنفسه ، فهل تدرون ما معنى قوله عزوجل (وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ)؟.
قالت العلماء : عنى به نفسهم ، فقال أبو الحسن : غلطتم إنما عنى به علي بن أبي طالب عليهالسلام ومما يدل على ذلك قول النبي صلىاللهعليهوآله حين قال : لينتهين بنو وليعة أو لأبعثن إليهم رجلا كنفسي. يعني علي ابن أبي طالب عليهالسلام فهذه خصوصية لا يتقدّمه فيها أحد ، وفضل لا يلحقه فيه بشر ، وشرف لا يسبقه إليه خلق ، إذ جعل نفس علي كنفسه فهذه الثالثة ، وأما الرابعة فإخراجه صلىاللهعليهوآله الناس من مسجده ما خلا العترة التي حتى تكلّم الناس في ذلك وتكلّم العباس فقال : يا رسول الله تركت عليّا وأخرجتنا؟! فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : وما انا تركته وأخرجتكم ولكنّ الله تركه وأخرجكم وفي هذا تبيان لقوله صلىاللهعليهوآله لعليعليهالسلام : أنت مني بمنزلة هارون من موسى. قالت العلماء : وأين هذا من القرآن؟ قال أبو الحسنعليهالسلام : أوجدكم في ذلك قرآنا أقرأه عليكم؟ قالوا : هات. قال : قول الله تعالى (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) (٣) ففي هذه الآية منزلة هارون من موسى وفيها أيضا منزلة علي من رسول الله صلىاللهعليهوآله ومع هذا دليل ظاهر في قول رسول الله صلىاللهعليهوآله حين قال : ألا إنّ هذا المسجد لا يحلّ لجنب إلّا لمحمد وآله. فقالت العلماء : يا أبا الحسن هذا الشرح وهذا البيان لا يوجد إلا عندكم معشر أهل بيت رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال : ومن ينكر لنا ذلك ورسول الله صلىاللهعليهوآله قال : أنا مدينة الحكمة وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها. ففيما أوضحنا وشرحنا من الفضل والشرف والتقدمة والاصطفاء والطهارة ما لا ينكره معاند ولله تعالى الحمد على ذلك فهذه الرابعة.
والآية الخامسة قوله تعالى : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) (٤) خصوصية خصّهم الله العزيز الجبار بها واصطفاهم على الامة فلما نزلت هذه الآية على رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : ادعوا إليّ فاطمة ، فدعيت له فقال : يا فاطمة ، قالت : لبّيك يا رسول الله فقال صلىاللهعليهوآله : هذه فدك هي مما لم يوجف عليها بخيل ولا
__________________
(١) الأحزاب : ٣٣.
(٢) آل عمران : ٦١.
(٣) يونس : ٨٧.
(٤) الاسراء : ٢٦.