حيطته ورأفته وما منّ الله به على أمّته مما تعجز الألسن عن وصف الشكر عليه أن لا يودوه في ذريته وأهل بيته وأن لا يجعلوهم منهم كمنزلة العين من الرأس حفظا لرسول الله صلىاللهعليهوآله فيهم وحبّا لبنيه.
فكيف والقرآن ينطق به ويدعو إليه والأخبار ثابتة بانّهم أهل المودّة والذين فرض الله تعالى مودّتهم ووعد الجزاء عليها أنه ما وفى أحد بهذه المودّة مؤمنا مخلصا إلّا استوجب الجنة لقول الله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) مفسّرا ومبيّنا ، ثم قال أبو الحسن عليهالسلام : حدثني أبي عن جدّه عن آبائه عن الحسين ابن علي عليهالسلام قال : «اجتمع المهاجرون والأنصار إلى رسول الله فقالوا : إنّ لك يا رسول الله مئونة في نفقتك وفيمن يأتيك من الوفود وهذه أموالنا مع دمائنا فاحكم فيها بارّا مأجورا اعط ما شئت وامسك ما شئت من غير جرح قال : فأنزل الله تعالى عليه الرّوح الأمين فقال : يا محمد (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) يعني : أن تودوا قرابتي من بعدي فخرجوا ، فقال المنافقون : ما حمل رسول الله صلىاللهعليهوآله على ترك ما عرضنا عليه إلّا ليحثنا على قرابته من بعده إن هو إلّا شيء افتراه في مجلسه ، وكان ذلك من قولهم عظيما فأنزل الله تعالى جبريل بهذه الآية (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (١) فبعث إليهم النبي صلىاللهعليهوآله فقال : هل من حدث؟ فقالوا : أي والله يا رسول الله ، لقد قال بعضنا كلاما غليظا كرهناه فتلا عليهم رسول الله صلىاللهعليهوآله الآية فبكوا واشتدّ بكاؤهم فأنزل الله تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) (٢) فهذه السادسة.
وأما السابعة فقول الله تعالى : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٣) وقد علم المعاندون منهم أنه لما نزلت هذه الآية قيل : يا رسول الله قد عرفنا التسليم عليك فكيف الصلاة عليك؟ فقال : تقولون اللهم صلّ على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، فهل بينكم معاشر الناس في هذا خلاف؟ قالوا : لا ، قال المأمون : هذا مما لا خلاف فيه اصلا وعليه اجماع الامة ، فهل عندك في الآل شيء أوضح من هذا في القرآن؟ قال أبو الحسن عليهالسلام : «نعم أخبروني عن قول الله تعالى : (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ
__________________
(١) الأحقاف : ٨.
(٢) الشورى : ٢٥.
(٣) الأحزاب : ٥٦.