وأحب خلقك إليك وما جرى هذا المجرى (١).
الحديث المائة : ابن أبي الحديد في الشرح قال : وروى عليّ بن محمد المدائني قال : لمّا كان زمن عليّ رضى الله عنه ولي زياد فارس فضبطها ضبطا صالحا وجنى خراجها وحماها وعرف ذلك معاوية ، فكتب إليه : أما بعد فإن عزتك قلاع تأوي إليها ليلا كما يأوي الطير إلى وكرها ، وأيم الله لو لا انتظاري بك ما الله أعلم به لكان لك منّي ما قاله العبد الصالح : (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ) وكتب في أسفل الكتاب شعرا من جملته :
تنسى أباك وقد شالت نعامته |
|
إذ تخطب الناس والوالي لهم عمر |
فلمّا ورد الكتاب على زياد قام فخطب الناس وقال : العجب من ابن آكلة الأكباد ورأس النفاق يهددني وبيني وبينه ابن عمّ رسول الله صلىاللهعليهوآله وزوج سيّدة نساء العالمين وأبو السبطين وصاحب اللواء والمنزلة وأخاه في مائة ألف من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان ، أما والله لو تخطّى هؤلاء أجمعون إلي لوجدوني أحمر محشّا ضرّابا بالسّيف ، ثمّ كتب إلى عليّ عليهالسلام ، وبعث كتاب معاوية مع كتابه ، فكتب إليه عليّ عليهالسلام : أمّا بعد فانّي ولّيتك ما ولّيتك وأنا أراك لذلك أهلا ، وإنّه قد كانت من أبي سفيان فلتة في أيام عمر من أماني التيه وكذب النفس لم يستوجب بها ميراثا ولم تستحق بها نسبا ، وإن معاوية كالشيطان الرجيم يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله فأحذره ثمّ أحذره ثمّ أحذره والسلام (٢).
وقال ابن أبي الحديد : والذي يدل على أن عليا عليهالسلام وزير رسول الله صلىاللهعليهوآله من نص الكتاب والسنة قول الله تعالى : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي).
وقال النبيّ صلىاللهعليهوآله في الخبر المجمع على روايته بين سائر فرق الإسلام : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي.
فأثبت له جميع مراتب هارون ومنازله من موسى ، فإذا هو وزير رسول الله وشاد أزره ولو لا أنّه خاتم النبيّين لكان شريكا له في أمره. (٣)
قال مؤلّف هذا الكتاب : أنظر إلى ما روته المخالفون في النص من رسول الله صلىاللهعليهوآله على أمير المؤمنين ، بأنّه الخليفة بعده بالنص المجمع على روايته بين فرق الإسلام كما ذكره ابن أبي الحديد في هذا الكلام وذكر غيره ، وهذا صريح من المخالفين أن رسول الله صلىاللهعليهوآله ما مات حتّى خصّ عليّ
__________________
(١) شرح نهج البلاغة : ٩ / ٢٤.
(٢) شرح نهج البلاغة : ١٦ / ١٨١.
(٣) شرح نهج البلاغة : ١٣ / ٢١١.