عن ملك النبيّ سليمان (ع) ، حين قال بعد ما أورد من شواهد : «ومثل ذلك ما رفع من أوهام العرب وصرف نفوسهم عن المعارضة للقرآن بعد أن تحدّاهم الرسول بنظمه ، ولذلك لم نجد أحدا طمع فيه ، ولو طمع فيه لتكلّفه ...» (١). وهذا الصرف ـ في رؤية الجاحظ ـ نظير ما وقع لبني إسرائيل في التّيه «فقد كانوا أمّة من الأمم يكسعون أربعين عاما في مقدار فراسخ يسيرة ولا يهتدون إلى المخرج. وما كانت بلاد التّيه إلّا من ملاعبهم ومتنزّهاتهم ... ولكنّ الله صرف أوهامهم ورفع القصد من صدورهم» (٢).
ويفهم من كلام الجاحظ أنّ الصّرفة عنده إنما كانت لحماية القرآن من معارضة الذين يتكلّفون هذه المعارضة ليموّهوا على إغرار الناس ومن لا علم لهم بمزايا نظم القرآن ، وإلّا فإنّ القرآن كان وما يزال معجزا في هذا النظم.
* * *
ومهما يكن فإنّ أبرز من استوفى الكلام عن الصّرفة من بين المتكلّمين المعنيّين بأمر القرآن هو المتكلّم الإماميّ الفقيه الأديب الشريف المرتضى (ت ٤٣٦ ه) ؛ فإنّه كان يذهب إلى القول بالصرفة وتحدّث عن خطوط الموضوع الكبرى في كتابه (الذخيرة في علم الكلام). ثمّ لمّا وجد أنّ المسألة تقتضي المزيد من البسط والإيضاح وردّ الاعتراضات ، أراد أن يجلّي الصورة التي يراها لهذا اللون من الإعجاز ، فألّف كتابا خاصّا في الموضوع أسماه (الموضح عن جهة إعجاز القرآن أو الصّرفة).
قصد المرتضى في كتابه (الموضح) إلى بيان أنّ الله تعالى تحدّى العرب بالقرآن
__________________
(١) الحيوان ٤ / ٣١.
(٢) نفسه.