فينتظرون حتّى يموتوا ، وأمّا بيع الأحرار فشاع وذاع ، وعرض عليّ جاريتان مراهقتان بدينار واحد. وسألتني امرأة أن أشتري ابنتها وقالت : جميلة دون البلوغ بخمسة دراهم. فعرّفتها أنّ هذا حرام فقالت : خذها هديّة. وقد أبيع خلق ، وجلبوا إلى العراق ، وخراسان. هذا ، وهم عاكفون على شهواتهم ، منغمسون في بحر ضلالاتهم ، كأنّهم مستثنون. وكانوا يزنون بالنّساء حتّى إنّ منهم من يقول إنّه قنص خمسين بكرا ، ومنهم من يقول سبعين. كلّ ذلك بالكسر.
وأمّا مصر فخلا معظمها ، وأمّا بيوت الخليج وزقاق البركة والمقس وما تاخم ذلك ، فلم يبق فيها بيت مسكون ، ولم يبق وقود النّاس عوض الأحطاب إلى الخشب من السّقوف والبيوت الخالية. وقد استغنى طائفة كبيرة من النّاس في هذه النّوبة.
وأمّا النّيل فإنّه اخترق في برهوده اختراقا كبيرا ، وصار المقياس في أرض جرز ، وانحسر الماء عنه نحو الجزيرة ، وظهر في وسطه جزيرة عظيمة ومقطّعات أبنية ، وتغيّر ريحه وطعمه ، ثمّ تزايد التّغيّر ، ثمّ انكشف أمره عن خضرة طحلبيّة ، كلما تطاولت الأيّام ظهرت وكثرت كالّتي ظهرت في البيت من السّنة الخالية.
ولم تزل الخضرة تتزايد إلى أواخر شعبان ، ثمّ ذهبت ، وبقي في الماء أجزاء نباتيّة منبتة ، وطاب طعمه وريحه ، ثمّ أخذ ينمى ويقوى جريه إلى نصف رمضان ، فقاس ابن أبي الردار قاع البركة فكان ذراعين ، وزاد زيادة ضعيفة إلى ثامن ذي الحجّة ، ثمّ وقف ثلاثة أيّام ، فأيقن النّاس بالبلاء ، واستسلموا للهلاك ، ثمّ إنّه أخذ في زيادات قويّة ، فبلغ في ثالث ذي الحجّة خمسة عشر ذراعا ، وستة عشر إصبعا ، ثمّ انحطّ من يومه ، ومسّ بعض البلاد تحلة القسم ، وأروى الغربيّة ونحوها ، غير أنّ القرى خالية كما قال تعالى : (فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) (١). وزرع الأمراء بعض البلاد. ونهاية سعر الإردبّ خمسة دنانير. وأمّا بقوص ، والإسكندريّة فبلغ ستّة دنانير.
__________________
(١) سورة الأحقاف ، الآية ٢٥.