من الكتاب والسنّة ، وبموجب هذا الفهم ، فإنّ مصادر التشريع تبقى محصورة في الكتاب والسنّة ، وهذا التقريب قد يفسّر لنا تحفّظ السيّد المرتضى على إدراج مسألة الإجماع في الأدلّة الأربعة ، فقال في جوابات المسائل الموصليّات الثالثة جواباً عن سؤال كان قد ورده عن (حكم المسألة الشرعية التي لا دليل عليها من الكتاب والسنّة) : «هذا الذي فرضتموه قد أمنّا وقوعه ، لأنّا قد علمنا أنّ الله تعالى لا يخلي المكلّف من حجّة وطريق إلى العلم بما كلّف ، وهذه الحادثة التي ذكرتموها ، وإن كان لله تعالى فيها حكم شرعي ، واختلفت الإمامية في وقتنا هذا فيها ، فلم يمكن الاعتماد على إجماعهم الذي نتيقّن بأنّ الحجّة فيه لأجل وجود الإمام في جملتهم ؛ فلابدّ من أن يكون على هذه المسألة دليل قاطع من كتاب أو سنّة مقطوع بها ، حتّى لا يفوّت المكلّف طريق العلم الذي يصل به إلى تكليفه ...) (١).
ولكن برزت حجّية الإجماع بقوّة على الصعيد العلمي على يد الشيخ الطوسي بشكل خاصّ ، فهو بعد أن عقد باباً خاصّاً عن (الكلام في الإجماع) فإنّه فصّل فيه القول ، فذكر أوجهاً لدليلية الإجماع فقال : «والذي نذهب إليه أنّ الأمّة لا يجوز أن تجتمع على خطأ وأنّ ما يجمع عليه لا يكون إلاّ صواباً وحجّة ، لأنّ عندنا أنّه لا يخلو عصر من الأعصار من إمام معصوم حافظ للشرع يكون قوله حجّة يجب الرجوع إليه كما يجب الرجوع إلى قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقد دلّلنا على ذلك في كتابنا (تلخيص الشافي) واستوفينا كلّ ما يُسأل عن ذلك من الأسئلة ...» (٢) ..
__________________
(١) رسائل الشريف المرتضى ١ / ٢١٠.
(٢) عدّة الأُصول ٢ / ٢٣٢.