وفي موضع آخر يتعرّض بشكل أدقّ لنظريّته في حجّية الإجماع ، فيقول : «فالذي نقوله : إنّهم إذا أجمعوا [أي الفقهاء] على العمل بمخبـر خبر وكان الخبر من أخبار الآحاد ـ لأنّه إذا كان من باب المتواتر فهو يوجب العلم فلا يحتاج إلى الإجماع ـ فيكون قرينة في صحّته فإنّه يحتاج أن ينظر في ذلك : فإن أجمعوا على أنّهم قالوا ما قالوه لأجل ذلك الخبر قطعنا بذلك على أنّ الخبر صحيح صدق ، وإن لم يظهر لنا من أين قالوه ولم ينصّوا لنا على ذلك فإنّا نعلم بإجماعهم أن ما تضمّنه الخبر صحيح ، ولا يعلم بذلك صحّة الخبر لأنّه لا يمتنع أن يكونوا [قد] قالوا بما وافق مخبر الخبر بدليل آخر أو خبر آخر أقوى منه في باب العلم أو سمعوه من الإمام المعصوم عليهالسلام فأجمعوا عليه ولم ينقلوا ما لأجله أجمعوا اتكالا على الإجماع».
ويتبيّن من هذا النـصّ أنّ الاستدلال بحجّية الإجماع ـ باعتباره كاشفاً مستقلاًّ عن الخبر ـ طريقة من الطرق العقلية أو الشرعية في إصابة الواقع ، عند الشيخ الطوسي ، وهذا الاستدلال ألغى تحفّظ السيّد المرتضى بشأن اشتراط وجود دليل قاطع بأيدينا من كتاب أو سنّة ؛ فلربّما توفّر ذلك الدليل القاطع من كتاب أو سنّة عند المجمعين السابقين لا عندنا ، وهذا الدليل قدّم سنداً قوياً لعملية الاستنباط ، فبفضله أصبحت العملية الاجتهادية الشرعية تقوم على أربعة عناصر بدل ثلاثة كما كان معروفاً في السابق ، وهي : الكتاب والسنّة والعقل والإجماع ، وعندها أصبح التعبّد بخبر الواحد والإجماع من أدوات الاجتهاد ، بحيث يمكن الاستدلال بهما على النطاق الفقهي في عملية الاستنباط.