الفصل الثالث
العقبات التاريخية التي حاولت تقويض
المباني الأُصولية
مقدّمة :
لا شكّ أنّ أهمّ العقبات التي وقفت بوجه علم الأُصول ، كانت قد تمثّلت في الاتجاهات الفلسفية والدينية التي وقفت ضدّ العقل والإدراك العقلي كحجّة معتبرة متطابقة مع الحجج الشرعية ، وبطبيعة الحال فإنّ علم الأُصول لم يتناول يوماً ما الإدراكات العقلية مجرّدة فحسب ، بل تناول أيضاً البيانات الشرعية في الكتاب المجيد والسنّة المطهّرة من قول المعصوم أو فعله أو تقريره.
إلاّ أنّ تلك العقبات على ضخامتها وتحدّيها الصارخ لدور العقل والدليل العقلي في احتلال موقعه الطبيعي في ساحة الكشف عن الأحكام الشرعية ، لم تستطع تحطيم الأساس الفكري الذي بُني عليه علم الأُصول ؛ فقد وقف علم الأُصول ـ على لسان الفقهاء المؤمنين بدوره الحساس في عملية استنباط الأحكام الشرعية ـ فوق كلّ تلك التحدّيات الفكرية التي لبست إطاراً شرعيّاً وتاريخيّاً مقنّعاً بظاهر الدليل ، بل إنّ تلك العقبات التي صُمّمت بالأصل لتحطيم علم الأُصول وضعت في أحشائه ـ من دون قصد ـ بذور النمو والتطوّر نحو مراحل عليا في الإدراك والفهم الإنساني للوظيفة الشرعية ، في ما يخصّ التكليف الإلهي ، وسوف نناقش بعض تلك العقبات ، ومنها : الفلسفة الأخبارية والمذهب الحسّي والنـزعة الصوفية.