بغضّ النظر عن أصابته الواقع أم عدم اصابته ؛ فالحجّة ذاتية كانت كالعلم مثلاً ، أو مجعولة تحتاج في حجّيتها إلى سند قطعي شرعي أو عقلي كالطرق والأمارات ؛ هذه الحجّة هي التي تحدّد معالم المدرسة الأُصولية في مقابل المدرسة الأخبارية ، و (العقل السليم أيضاً حجّة من الحجج ، فالحكم المنكشف به حكم بلّغه الرسول الباطني الذي هو شرع من داخل ، كما أنّ الشرع عقل من خارج) (١).
وقد استفاضت آيات الذكر الحكيم بالاستدلال على حجّية العقل ، فقال عزّ من قائل : (إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَات لِّقَوْم يَعْقِلُونَ) (٢) ، و (... لاَيَات لِّقَوْم يَتَفَكَّرُونَ) (٣) ، و (... لآيَات لاُِّوْلِي الألْبَابِ) (٤) ، وذمّت الذين لا يعملون بمقتضى حجّية العقل : (... أَفَلاَ يَعْقِلُونَ) (٥) ، وحدّدت أيضاً طبيعة الدليل العقلي وطبيعة الظنون والآراء التي تتخلّف عن العقل : (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) (٦) ، (إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) (٧) ، (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) (٨).
ولم يكن نشاط الحركة الأخبارية ـ على تخلخل مبانيها العلمية ـ سلبيّاً بصورته الكلّية ، بل أدّى بشكل غير مباشر إلى الاهتمام بالأخبار
__________________
(١) فرائد الأُصول المحشى بحاشية رحمة الله : ١١.
(٢) سورة الرعد ١٣ : ٤.
(٣) سورة الرعد ١٣ : ٣.
(٤) سورة آل عمران ٣ : ١٩٠.
(٥) سورة يس ٣٦ : ٦٨.
(٦) سورة الإسراء ١٧ : ٣٦.
(٧) سورة يونس ١٠ : ٣٦.
(٨) سورة يونس ١٠ : ٥٩.