ج ـ النـزعة الصوفية :
وهي النـزعة التي تنشأ عادةً من اليأس من تغيير الواقع أو إصلاحه على أقلّ تقدير ؛ فقد شهد القرن الحادي عشر الهجري (القرن السادس عشر الميلادي) ظهور نزعة صوفية قوية ساعدتها السلطة الصفوية في إيران ـ وهي نفس السلطة التي قامت على أساس الدعوة إلى التصوّف ـ وبقيت تؤيّدها وتمدّها سرّاً ، وقد استغلّت مباحث الفيلسوف العظيم صدر الدّين الشيرازي (ت ١٠٥٠ هـ) في الفلسفة الإشراقية الإسلامية من خلال تطعيمها ببعض عناصر الغلوّ ، لتكون باباً لذلك التصوّف المزعوم ، ولا شكّ أنّ التصوّف يدعو بشكل مباشر أو غير مباشر إلى إهمال العقل وتنشيط الروح ، والالتجاء إلى التعبّد بمعناه المجرّد عن واقعية الحياة الاجتماعية للإنسان ، وقد أدّى ذلك التوجّه إلى الاقتصار على الإيمان بالأخبار الواردة في الكتب الموثوق بها والجمود على نصوصها بشكل مطلق.
والتصوّف بمعناه الفلسفي يعني البحث عن الوسائل التي تجعل الإنسان في وحدة أو اندماج مع الواحد عزّ وجلّ ، وهو اقتباس ملحوظ من الأفكار البوذية التي انتشرت في تركمنستان في ذلك العصر ، فقد آمنت تلك الفلسفة بحقيقة مفادّها أنّ الدخول في جوهر الذات الإنسانية هو في واقع الأمر هروب من مشاقّ الحياة الخارجية التي تعكّر صفو ذلك الاندماج.
فإذا كان المولى عزّ وجلّ هو جوهر الجمال المطلق فلا بدّ ـ من أجل الاقتراب من ذلك الجمال المطلق ـ من التحلّي بصفات جمالية وراء العالم الظاهري وهي صفات الفقر وإذلال النفس والتهذيب والتقشّف والثبات ،